8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ياسر عرفات.. أين نجح وأين أخطأ؟

مرت قبل ايام، في الحادي عشر من تشرين الثاني الجاري تحديدا، الذكرى السادسة لغياب ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني. مرت الذكرى وكأنَ ابو عمّار رحل منذ عقود عدة. تغيّرت المنطقة في اقل من ست سنوات بشكل مذهل الى حدّ لم تعد لها علاقة بالزمن الذي عاشه ياسر عرفات، رجل السلم والحرب والمقاومة الذي اوصل نفسه وقضيته الى ابواب القدس. لا يزال ابو عمّار يقرع يوميا ابواب المدينة من حيث هو راقد في رام الله.
تكمن اهمية ياسر عرفات في انه وضع فلسطين على الخريطة السياسية للشرق الاوسط. ادخل فلسطين الى الامم المتحدة. عرف في مرحلة معينة كيف يوظف المقاومة في مشروع سياسي متكامل توّج بتوقيع اتفاق اوسلو الذي تضمن اعترافا متبادلا بين حكومة اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. كان ابو عمّار على قاب قوسين او ادنى من الدولة الفلسطينية المستقلة لولا سلسلة الاخطاء التي ارتكبها في السنوات الاخيرة من حياته. ادت هذه الاخطاء في واقع الحال الى انتهاء ابو عمّار بالطريقة التي انتهى بها. وقد لفظ انفاسه في مستشفى عسكري فرنسي نقل اليه على وجه السرعة بعدما تغلب عليه المرض الغامض الذي دهمه في المقاطعة...
استشهد ياسر عرفات وهو يقاوم المحتل وحيدا من مقره المحاصر في رام الله، بعدما تخلى عنه العرب والعالم. منع الزعيم الفلسطيني حتى من القاء كلمة عبر الاقمار الاصطناعية في قمة بيروت التي انعقدت في اذار من العام 2002. سيقت وقتها اسباب واهية للحؤول دون القائه الكلمة. الحقيقة ان اطرافا عربية، تتاجر حاليا بياسر عرفات، ارادت حتى اللحظة الاخيرة تصفية حساباتها معه بعدما تبين لها ان عصره انتهى وان ارييل شارون، رئيس الوزراء الاسرائيلي وقتذاك، اتخذ قرارا نهائيا بالتخلص من الرجل، معتقدا انه سيتخلص في الوقت ذاته من مشروع الدولة الفلسطينية الذي كان يؤرقه.
استطاع ياسر عرفات خلال سنوات طويلة من النضال السياسي والعسكري تسبب خلالها بمآس في الاردن ولبنان ان يتوصل الى نتيجة فحواها ان لا وجود لشيء اسمه الانتفاضة من اجل الانتفاضة. هذا ما كان يردده اواخر الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي. عرف عرفات كيف يوظف الانتفاضة الاولى، اي انتفاضة اطفال الحجارة، سياسيا. لم يكتف بتوقيع اتفاق اوسلو، في ظروف اقل ما يمكن وصفها بانها لم تكن مواتية له، بل دخل البيت الابيض من ابوابه الواسعة. لم يعد في حاجة الى العرب او الاسرائيليين للعبور الى واشنطن دي.سي. في العام 2000، كان ياسر عرفات اكثر زعماء العالم ترددا على البيت الابيض. لكنه لم يحسن في تلك المرحلة قطاف ما زرعه على غرار ما فعل اواخر الثمانينات ومطلع التسعينات.
اين كان الخطأ الاساسي للزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي اعترف في العام 1988 من الجزائر بالقرار 242 وما لبث ان اعلن نبذ الارهاب تمهيدا لمباشرة حوار مع واشنطن ؟ لا شك ان الاجابة عن السؤال صعبة. ولكن كل ما يمكن قوله ان المسألة ليست مرتبطة فقط بخطأ قاتل بمستوى عدم ادانته الصريحة لغزو صدّام حسين لدولة الكويت المسالمة في العام 1990، بل ان الامر يتعلق بمجموعة من الاخطاء المميتة من بينها عدم ادراكه ان العالم تغيّر بعد احداث الحادي عشر من ايلول 2001 وان تصرفات كثيرة كان في الامكان غض الطرف عنها قبل الحادي عشر من ايلول، صارت من المحظورات. لم يستوعب ابو عمّار طبيعة المرحلة الجديدة التي دخلها العالم. لم يستوعب خصوصا ان كل كلمة كانت تصدر عنه في المقاطعة كان يلتقطها الاسرائيليون وينقلونها الى الاميركيين بما في ذلك التعليمات الى هذا المسؤول الميداني الفلسطيني او ذاك بشن عملية ما. باختصار، لم يستوعب ياسر عرفات ان هناك مرحلة انتهت تماما وان عودته الى ارض فلسطين تستدعي التصرف بطريقة مختلفة، ابعد ما تكون عن مرحلة الاردن... او جمهورية الفاكهاني في بيروت.
من مناضل كبير، عرف كيف يدوّخ العالم والعرب والاسرائيليين، انتهى ياسر عرفات اسير المقاطعة في رام الله بعدما عجز عن فهم المتغيرات الدولية وان الضفة الغربية ليست جنوب لبنان وانه بات ممنوعا عليه السقوط في الفخ الذي نصبه له اسرئيليون وغير اسرائيليين في العام 2002. وقتذاك وجد من يقنعه باستيراد شحنة اسلحة تبحر من ميناء بندر عبّاس الايراني ويجري تفريغها في غزة... واقتنع بذلك للاسف الشديد!
يبقى ان ياسر عرفات حقق للشعب الفلسطيني ما لم يستطع غيره تحقيقه. استعاد له ارضا يستطيع استخدامها، في حال تصرف المسؤولون الحاليون بحكمة، من اجل ان تكون هناك يوما ما دولة فلسطينية. المهم الان تفادي اخطاء الماضي والاستفادة من تجربة ابو عمّار بشكل ايجابي بعيدا عن الشعارات والمزايدات المضحكة - المبكية من نوع ان الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني رحل وهو يؤمن بوجود خيار اسمه المقاومة المسلحة. نعم، هناك مقاومة مسلحة متى كان هناك قرار عربي بفتح الجبهات مع اسرائيل. ولا وجود لمقاومة مسلحة فلسطينية متى كان قرار بعض العرب وغير العرب خوض الحروب باجساد اللبنانيين والفلسطينيين. كان ياسر عرفات رجلا عظيما عندما تصرف استنادا الى موازين القوى السائدة. انتهى ياسر عرفات يوم غابت هذه الموازين عن تصرفاته... عندما نسي المقولة التي كان يرددها دائما في جلساته الخاصة وهي: عش ودع غيرك يعيش!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00