8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هناك مجتمع عراقي يقاوم التبعية

هناك مجتمع عراقي يقاوم التبعية. كان تحقيق اللائحةالعراقية برئاسة الدكتور اياد علاوي تلك النتيجة الطيبة في الانتخابات الاخيرة دليلا على وجود رغبة لدى العراقيين في العيش معا ورفض اي تدخلات خارجية في شؤون العراق، خصوصا التدخلات الايرانية. تقدمت العراقية على كل اللوائح الاخرى بفارق بسيط من الاصوات كان كافيا لتاأكيد ان العراقيين على استعداد للتصدي للغرائز المذهبية وكل انواع التطرف متى توافرت ظروف معينة. على راس الظروف المطلوب توافرها شخص قيادي يجسد الروح الوطنية، شخص يجمع ولا يفرق، شخص لا يميز بين عراقي واخر بسبب دينه او طائفته او مذهبه او قوميته او المنطقة التي ينتمي اليها.
لا يعني ذلك ان الدكتور علاوي سيكون رئيس الوزراء المقبل في العراق. المسألة معقدة اكثر من ذلك بكثير خصوصا في ظل التدخلات الخارجية التي تحول دون الذهاب الى النهاية في اللعبة الديموقراطية التي تعني قبل كل شيء احترام اصول معينة بما في ذلك ما ينص عليه الدستور. المهم ان هناك نواة لنظام ديموقراطي في العراق. هل في الامكان الرهان على هذه النواة؟ وحدها الاسابيع والاشهر المقبلة ستظهر ما اذا كان الوضع العراقي سيتقدم في اتجاه مزيد من الاستقرار ام ان الانتخابات التي جرت في السابع من اذارالماضي لم تكن سوى خطوة على طريق مزيد من التشرذم والانفلات للغرائز المذهبية. ستظهر الايام والاسابيع والاشهر المقبلة ايضا ما اذا كان العامل الوحيد الذي يحول دون حرب اهلية مكشوفة في العراق هو الوجود العسكري الاميركي. صحيح ان هذا الوجود لم يعد ظاهرا كما كانت الحال في السنوات القليلة الماضية، لكنّ الصحيح ايضا ان الاميركيين ما زالوا يتحكمون بالوضع الامني نظرا الى ان قواتهم تسيطر على المفاصل الاستراتيجية في البلد فضلا عن انها قادرة على منع اي احتكاك بين ميليشيا تابعة لهذا الحزب المذهبي او ذاك ومسلحين ينتمون الى طائفة معينة او قومية معينة. اكثر من ذلك، يبدو الاميركيون قادرين، الى اشعار اخر، على منع اي عملية تطهير عرقي تستهدف احياء او مناطق معينة في بغداد وغير بغداد. ولكن ما الذي سيحصل بعد الانسحاب الاميركي؟
على الرغم من تشاؤم كثيرين بمستقبل الوضع العراقي، جاءت الانتخابات الاخيرة بما حملته من نتائج وكأنها رسالة فحواها ان الوضع ليس ميؤوسا منه وان ثمة ما يدعو الى الرهان على امكان ايجاد صيغة وطنية تجمع بين العراقيين. ولذلك كانت مفاجأة الانتخابات كبيرة نظرا الى ان الكتلة العراقية ضمت شخصيات من كل الفئات والطبقات والمذاهب والطوائف والقوميات. كان العراق والولاء له ما يجمع بين هذه الشخصيات. وهذا ما يفسّر المحاولات المستميتة لابطال نيابة فائزين ينتمون الى العراقية بحجة انهم بعثيون. في حال النجاح في ذلك، سيكون طبيعيا ان تفقد العراقية تقدمها وان لا يعود اسم اياد علاوي مطروحا لموقع رئيس الوزراء.
يبدو مسموحا استخدام كل الوسائل لمنع اياد علاوي من ان يكون رئيسا للوزراء. لم يخف الرجل ان هناك حملة ايرانية عليه. يشير ذلك الى ان محاولاته التي استهدفت فتح قنوات مع طهران قبل اسابيع عدة من موعد الانتخابات لم تؤد الى النتائج المرجوة. كلفت اتصالات علاوي بالايرانيين وارساله مبعوثين الى طهران انشقاق بعض حلفائه عنه. بين هؤلاء السيد اياد جمال الدين رجل الدين الشيعي صاحب الاراء الطليعية التي لا تتفق باي شكل مع اراء رجال الدين التقليديين. كان جمال الدين عضوا في مجلس النواب السابق وكان حليفا لاياد علاوي وكان معروفا بمواقفه المعادية للسياسة الايرانية وعارض حتى الزيارة التي قام بها علاوي للمرجع الشيعي اية الله السيستاني المقيم في النجف. لم يحل ذلك دون متابعة علاوي انفتاحه على كل الجهات معتقدا انه سيكون في استطاعته تجاوز الفيتو الايراني الذي ليس معروفا بعد هل هو نهائي ام لا؟
الامل ليس مقطوعا نهائيا من امكان وصول اياد علاوي الى رئاسة الحكومة. صار بلوغه الموقع مرتبطا بحسابات ذات طابع اقليمي ودولي. بكلام اوضح، هل يكون اسمه موضع اخذ ورد بين واشنطن وطهران، وهو امر مستبعد جدا، او بين طهران واطراف عربية، او بين طهران وانقرة؟ في النهاية، لا شك ان لدى النظام الايراني اوراقه الكثيرة في العراق، خصوصا في الجنوب الذي يسيطر عليه بطريقة غير مباشرة. ما لايمكن تجاهله انه الطرف الوحيد الذي انتصر عمليا، اقله الى الان، نتيجة الحرب الاميركية التي اسقطت النظام العائلي- البعثي الذي اقامه صدام حسين ومارس من خلاله السلطة بشكل مطلق بين العامين 1979 و2003. كل ما يريد ان يقوله العراقيون الان عبر دعم الكتلة العراقية ان بلدهم قادر على ان يخرج منتصرا من الحرب وان ليس ضروريا ان يكون المستفيد منها الاميركي او الاوروبي او الايراني...او طرف خارجي ما، ايا يكن هذا الطرف.
العراقيون هم الذين عانوا نظام صدّام حسين. حروبه الداخلية والخارجية. طريقة تعامله مع افراد الشعب العراقي ومراجعه الدينية والمدنية و دخوله في حرب مع ايران ومغامرته المجنونة في الكويت وحملاته غير المبررة والحاقدة على الاكراد. من حق العراقيين اعتبار الانتخابات خطوة على طريق استعادة بلدهم عافيته. لقد اظهروا، من خلال الانتخابات، ان هناك ما يجمع بينهم وان الرابطة الوطنية موجودة وانها تتجاوز الولاء المذهبي. السؤال الى اي حد سيتابعون مقاومتهم، الى اي حد يبدون قادرين على رفض كل ما من شأنه اظهارهم مظهر من يحتاج دوما الى رعاية خارجية، رعاية ايرانية تحديدا، كي لا ينقض حزب مسلح على حزب اخر.. او مذهب على مذهب اخر؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00