8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

رفيق الحريري .. الذي به صمد لبنان!

لماذا نزل اللبنانيون بكثافة الى ساحة الحرية يوم الرابع عشر من شباط فبراير 2010؟ الجواب، بكل بساطة، ان الشعب اللبناني يعرف تماما لماذا اغتيل رفيق الحريري قبل خمس سنوات. يدرك اللبنانيون، الشرفاء حقا، ان رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما الذين استشهدوا في الرابع عشر من شباط 2005 قدموا دمهم من اجل لبنان ومن اجل بقائه صامدا في وجه كل العواصف التي تعرض لها منذ ما يزيد على واحد واربعين عاما عندما حوله العرب في العام 1969، تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم، مجرد ساحة يتقاتلون فيها تعويضا عن عجزهم عن مواجهة اسرائيل. يعرف كل لبناني ان رفيق الحريري قدّم دمه من اجل العرب والعروبة الصادقة وكي تتولد قناعة راسخة في ذهن كل من يعتبر لبنان وطنا مصطنعا ودولة هشة ان الصيغة اللبنانية اقوى بكثير من اي صيغة اخرى في اي دولة من دول المنطقة.
ما يعرفه اللبنانيون قبل اي شيء آخر ان رفيق الحريري اعاد اللبنانيين الى لبنان واعاد لبنان الى اللبنانيين. اعاد الى اللبنانيين الأمل بلبنان. بفضله صمدت مؤسسات الدولة اللبنانية، على رأسها مؤسسة الجيش الوطني. بفضل رفيق الحريري بقيت المستشفيات وصمدت المؤسسات التعليمية، بما في ذلك الجامعة الأميركية في بيروت التي حال دون اغلاقها وهجرة اساتذتها. لولا رفيق الحريري لما بقي اثر للطبقة المتوسطة التي تشكل العمود الفقري للبنان. لولا رفيق الحريري لما كان اتفاق الطائف والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين التي تحافظ على الوجه المشرق والحضاري للبنان. ولولا رفيق الحريري لما عادت بيروت. تظل بيروت الأنجاز الأكبر لرفيق الحريري وهي قلب لبنان ونقطة الإنطلاق لتنمية المناطق كلها. بيروت المكان الذي تلتقي فيه كل الطوائف والمذاهب والطبقات الإجتماعية. هذا ما يفسر الى حد كبير تلك الهجمة على رفيق الحريري ومشروع اعادة احياء وسط بيروت. كانت الهجمة على المشروع، ولا تزال، هجمة على لبنان واللبنانيين كي لا تقوم لوطنهم الصغير قيامة.
يستطيع اللبناني واي أخ عربي ان يتخيل بسهولة، ليست بعدها سهولة، رفيق الحريري يسير هذه الأيام في شوارع بيروت. كل شارع من شوارعها يعرف رفيق الحريري وما فعله رفيق الحريري من اجل بيروت. يمكن تخيل ابو بهاء يمشي في الأسواق القديمة لبيروت التي استعادت رونقها رافعاً رأسه مدققاً في تفاصيل التفاصيل كي يكون كل حائط وكل حجر وكل باب او شبّاك في كل بناية لائقاً ببيروت. كانت ستدمع عينا رفيق الحريري فرحاً بعودة الحياة الى عروس البحر الأبيض المتوسط ولؤلؤته. كان سيحس بفخر ليس بعده فخر عندما يرى اسماء الفنادق الكبرى ترتفع في هذا الحي او ذاك من بيروت. كان سيشعر بفرحة الإنتصار على الموت. كان سيردد ما يقوله اللبنانيون الشرفاء هذه الأيام: انتصرت بيروت وانتصر معها لبنان. انتصر مشروع رفيق الحريري. انتصرت ثقافة الحياة.
كلف الإنتصار اللبنانيين غالياً. حرمهم من رفيق الحريري. من الرجل الذي كان قادرا على التغلب على الصعوبات والتعاطي مع زعماء العالم بالسهولة نفسها التي يتعاطى فيها مع اي مواطن لبناني عادي، من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، لديه مشكلة صغيرة او كبيرة لا فارق.
كلما مر يوم، يتأكد اللبنانيون اكثر ان القاتل معروف. من قتل رفيق الحريري ورفاقه ومن اغتال بعد ذلك كل الإستقلاليين من سمير قصير، الى جورج حاوي، الى جبران تويني، الى وليد عيدو، الى بيار امين الجميل، الى انطوان غانم، معروف جدا وجيدا. القاتل هو نفسه الذي حاول اغتيال مروان حماده والياس المر ومي شدياق والرائد سمير شحاده. القاتل هو الذي كان وراء دخول عصابة شاكر العبسي الى مخيم نهر البارد. القاتل نفسه فجّر اللواء فرنسوا الحاج والرائد وسام عيد. كان مطلوبا الإنتقام من لبنان. لذلك، تخلصوا من رفيق الحريري الذي علّم ما يزيد على خمسة وثلاثين الف طالب لبناني من كل المناطق والطوائف... مؤكدا ان الإنسان هو العامل الأهم في بقاء لبنان وصموده.
في الذكرى الخامسة لغياب رفيق الحريري، يعرف اللبنانيون انه لم يكن امامهم سوى النزول الى ساحة الحرية. نزلوا في تحية وفاء لرجل كان يعرف ان هناك من يريد التخلص منه. لكنه بقي حتى اليوم الأخير من حياته مؤمناً في أعمق اعماقه ان لدى بعض العرب وغير العرب حداً ادنى من المنطق والقيم الوطنية كي يتراجعوا عن مخططهم. ربما كان الخطأ الأكبر لرفيق الحريري استخفافه بكمية الحقد عليه. انه حقد على النجاح والناجحين وحقد على لبنان أوّلاً. استخف رفيق الحريري بما يمكن ان يقدم عليه الحاقد والى اي مدى يمكن ان يذهب في انتقامه من لبنان واللبنانيين لأنهم ارتكبوا جريمة اعادة بناء بلدهم ولو جزئيا...
المؤسف ان حسابات رفيق الحريري كانت خاطئة في ما يخص القتلة. لكن حسابات القتلة كانت خاطئة ايضاً خلافاً لكل المظاهر. الفارق بين رفيق الحريري والقتلة ان ابو بهاء لم يمت. الحياة التي تضج بها بيروت خير دليل على ذلك. وجود سعد رفيق الحريري في موقع رئيس مجلس الوزراء يثبت ذلك.
في بلد مثل لبنان لا يمكن لثقافة الموت الإنتصار على ثقافة الحياة. في كل يوم تشرق الشمس على بيروت ولبنان يبتسم رفيق الحريري من عليائه. كان على حق في الرهان على ان لبنان سيعود وينتصر. انه انتصار لكل لبناني شريف حقاً. انه انتصار النجاح على الحقد قبل اي شيء آخر. انه نجاح لبنان أوَلاً الذي لم يعد شعاراً بمقدار ما صار حقيقة شهد عليها الآلاف الذين نزلوا الى ساحة الحرية يوم الرابع عشر من شباط- فبراير 2010...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00