8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

فتور بين إدارة أوباما وإسرائيل...

على خلفية جولة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في المنطقة ولقاءاتها مع مسؤولين عرب وإسرائيليين بينهم رئيس السلطة الوطنية أبو مازن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يمكن ملاحظة وجود نوع من الفتور بين إدارة الرئيس باراك أوباما من جهة والحكومة الإسرائيلية من جهة أخرى. هذا ليس تكهناً، نظراً الى وجود وقائع تؤكد ذلك بالملموس. هل يتحول الفتور الى مواجهة أم أن الإدارة الأميركية ستتراجع كما جرت العادة، إلاّ إذا استثنينا عهد الرئيس ايزنهاور وعهد جورج بوش الأب، وعهد جيمي كارتر... الى حد ما.
ما يمكن أن يدفع الى ترجيح التراجع، دعوة الإدارة الأميركية الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي الى العودة الى المفاوضات من دون شروط مسبقة، أي من دون إعلان حكومة نتنياهو ولو عن تجميد للاستيطان في الضفة الغربية. ولكن ما يشفع للإدارة أن حكومة نتنياهو لا تريد التفاوض أصلاً. إنها ضد فكرة المفاوضات من أساسها. ولذلك، أكدت تمسكها بالاستيطان بهدف إجهاض أي مفاوضات بشكل مسبق من جهة، ومنع الجانب الأميركي، في مرحلة معينة، من طرح أي أفكار خاصة به لردم الهوة بين الجانبين من جهة أخرى. هذا يدفع الى تبرير طرح الإدارة للدعوة الى مفاوضات من دون شروط مسبقة، حتى لو بدا أنها تخلت عن ممارسة أي نوع من الضغوط على إسرائيل في شأن الاستيطان الذي لا يمثل سوى تكريس للاحتلال، حتى لو بدت كأنها رضخت لنتنياهو وحكومته رضوخاً كاملاً.
في الوقت ذاته، هناك ما يدفع الى الاعتقاد بأن الإدارة لا تزال جدية في البحث عن تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين تستند الى خيار الدولتين، على أن تكون مرجعية المفاوضات خطوط العام 1967 وليس حدود المستوطنات الإسرائيلية، وهو ما يسعى اليه نتنياهو ومعظم وزرائه.
لعل أبرز دليل على أن إدارة أوباما ليست في وارد التراجع في ما يخص المحتوى، حتى لو كانت تبدو وكأنها تراعي إرضاء إسرائيل شكلاً، ثلاثة أحداث توالت منذ الخامس عشر من تشرين الأول (اكتوبر) الماضي. كان الحدث الأول حضور الجنرال جيمس جونز مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي العشاء الذي أقامته مجموعة العمل الأميركية من أجل فلسطين في واشنطن وتأكيده بإسم أوباما التمسك بخيار الدولتين مع التشديد على ضرورة زوال الاحتلال الذي بدأ في العام 1967.
كان الحدث الثاني حضور جونز نفسه المؤتمر الذي نظمته مجموعة ضغط يهودية، تعارض سياسات نتنياهو وحكومته. تشكلت هذه المجموعة حديثاً في واشنطن، اسمها جي ستريت. هذه المجموعة التي تضم عدداً لا بأس به من المثقفين اليهود في الولايات المتحدة بدأت حملة على الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وتدعو صراحة الى زواله والى قيام دولة فلسطينية مستقلة استناداً الى خطوط العام 1967. وقد أثارت مواقفها سخط اللوبي الإسرائيلي والمنظمات اليهودية الأميركية التي لا تتردد في تبني المواقف الإسرائيلية. لكن أوباما أصر على استقبال ممثل لـجي ستريت لدى دعوته زعماء اليهود للاجتماع به في البيت الأبيض حديثاً. وكان تضمين لائحة المدعوين ممثلاً لـجي ستريت بمثابة إشارة في غاية الوضوح من الرئيس الأميركي الى أنه على استعداد لتحدي اللوبي الإسرائيلي بكل فروعه وكل المنظمات التابعة له بشكل أقل، ما يمكن أن يوصف به أنه مكشوف.
أمّا الحدث الثالث فيتمثّل في تعيين أوباما السناتور المتقاعد تشاك هيغل رئيساً لمجلس استشاري لشؤون الأمن والاستخبارات. مهمة هذا المجلس ليست ذات طابع تنفيذي، لكنه يقدم نصائح للرئيس الذي يستطيع أن يطلب رأيه في هذا الشأن الحساس أو ذاك. من هو هيغل؟ إنه سيناتور جمهوري تقاعد حديثاً، وهو معروف بمواقفه التي تستفز اليمين الإسرائيلي عموماً واللوبي الإسرائيلي في واشنطن على وجه الخصوص. ينظر هيغل الى الذين يؤيدون إسرائيل في واشنطن بشكل أعمى بأنهم من ذوي الولاء المزدوج. وعندما كان لا يزال عضواً في مجلس الشيوخ، سأله عضو في إحدى المنظمات اليهودية لماذا لا يؤيد إسرائيل ما فيه الكفاية؟ أجابه علناً: اني عضو في مجلس الشيوخ الأميركي وليس في مجلس الشيوخ الإسرائيلي. عندما انتخبت، أديت قسم الولاء للدستور الأميركي. لم أقسم على أن يكون ولائي لا لرئيس ولا لحزب ولا لإسرائيل. فضلاً عن ذلك، يتخذ هيغل الذي سعى في الماضي الى أن يكون مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة، موقفاً واقعياً من إيران إذ يقول في هذا المجال: أحببنا ذلك أم لا، لن يكون هناك سلام واستقرار في الشرق الأوسط من دون مشاركة إيران.
ثلاثة أحداث لافتة تكشف أن أوباما يتصرف بطريقة مختلفة جذرياً عن سلفه جورج بوش الإبن. أكثر من ذلك، تظهر هذه الأحداث وأخرى غيرها من نوع مقاطعة المسؤولين الأميركيين مؤتمرات يعقدها مؤيدون لإسرائيل، أن الرئيس الأميركي يشعر بأنه ليس مديناً بشيء لليهود المتطرفين إن في الولايات المتحدة نفسها أو في إسرائيل. هل في استطاعته الاستمرار في سياسته، أم أن الوقت يعمل ضده؟ من الصعب الأجابة عن السؤال، ألاّ أن اللافت أن كل الذين يعرفون باراك أوباما عن كثب يؤكدون أنه شخص صلب يمتلك إرادة قوية، كما يعرف تماماً الى أين يريد أن يصل. من الواضح أن الرهان الإسرائيلي على أنه سيكون عاجلاً أم آجلاً في مكان آخر بعيداً عن خيار الدولة الفلسطينية القابلة للحياة. سيكون غارقاً الى ما فوق أذنيه في أفغانستان وباكستان والعراق والملفات الإيرانية الساخنة في مقدمها الملف النووي. من قال إن التطرف في المنطقة الممتدة من أفغانستان الى موريتانيا، مروراً بإيران والعراق ولبنان وفلسطين حيث أقامت حماس إمارتها الطالبانية، ليس الحليف الأول لإسرائيل؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00