عندما ينظر اللبناني العادي، أي ذلك الذي يمتلك حداً أدنى من الوعي السياسي، عن كثب إلى الاحداث التي تشهدها إيران هذه الأيام، يدرك هذا اللبناني أهمية ما حصل في الوطن الصغير في السابع من حزيران- يونيو الجاري. إنه يدرك على وجه الخصوص أن لبنان استطاع في يوم الانتخابات تجاوز السقوط في الفخ الذي نصب له. كان مفترضا أن يمهد الإنقلاب الذي تفاداه لبنان للانقلاب الذي تشهده إيران حاليا، والذي يمكن للشعب الإيراني أن يفشّله في حال تابع مقاومته لمحاولة فرض وصاية الأجهزة الأمنية عليه إلى ما لا نهاية عن طريق إعادة إنتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا للجمهورية. من يقرأ الخطاب السياسي لأحمدي نجاد ويتمعّن فيه لا يستطيع إلا أن يتساءل هل هذه إيران بحضارتها القديمة، إيران التي قدمت الكثير للأنسانية. كيف يمكن لإيران أن تتحول أسيرة سياسات متزمتة لا علاقة لها سوى بنشر التطرف في المنطقة، في حين أن هناك خيارا مختلفا يتمثل في قدرتها على لعب دور إيجابي على كل صعيد في ضوء الثروة البشرية التي تمتلكها من جهة، وما لديها من ثروات أخرى من نفط وغير نفط من جهة أخرى.
كان الأمل كبيرا، بعد سقوط الشاه في العام 1979 في أن تتغير إيران، فتصبح دولة مهمة من دول المنطقة تتمتع بنظام ديموقراطي متطور بدل الإنطلاق في سباق مستمر مع التطرف تحت شعار تصدير الثورة. كان متوقعا أن تقدم إيران نموذجا لدولة عصرية قادرة على ممارسة إشعاعها بعيدا عن استخدام الدين في خدمة أهداف سياسية توسعية، أثارت أول ما أثارت، نظاما هجينا في العراق ليس معروفا هل هو حزبي أم عائلي؟ هل هو علماني أم مذهبي؟ اصطدمت إيران ـ الثورة بالعراق، فكانت الحرب الطويلة التي عادت بالكوارث على الشعبين والبلدين. كذلك اصطدمت بدول أخرى في المنطقة... إلى أن دخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة في العام 2003 مع الإحتلال الأميركي للعراق وسقوط صدام حسين بكل ما كان يمثله من تخلف. لا تشبه المرحلة الجديدة التي دخلها الشرق الأوسط بعد انهيار النظام العراقي ومعه دولة العراق بصيغتها المركزية سوى مرحلة ما بعد انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. إن الشرق الأوسط الذي تأسس على أنقاض الدولة العثمانية لم يعد قائما. كان العراق إحدى ركائز الشرق الأوسط القديم الذي رسمت خريطته في العشرينات من القرن الماضي. حسبت إيران أنها شريك في إعادة رسم خريطة المنطقة. حسبت أنها قوة أقليمية مهمة قادرة على ملء الفراغ الذي أوجده الغياب العراقي في الشرق الأوسط العربي. حسبت أن لديها نموذجا ما تقدمه من منطلق أنها الرابح الوحيد من الحرب الأميركية على العراق.
جاءت الاحداث الأخيرة في إيران لتعكس الصورة الحقيقية عن الوضع في هذا البلد العريق. جاءت الاحداث لتؤكد أن الأزمة التي يعاني منها النظام العراقي أزمة عميقة لا تحلها المساعي المستمرة للإستحواذ على أوراق إقليمية. أثبتت الاحداث أن المشكلة التي يعاني منها النظام تتجاوز النزاعات القائمة بين هذا الجناح أو ذاك. كان الرئيس باراك أوباما على حق عندما قال إنه لا يرى فارقا بين أحمدي نجاد ومير حسين موسوي الذي نزل أنصاره إلى الشارع في مواجهة الأجهزة الأمنية للنظام. الذين نزلوا إلى الشارع بألبستهم الزاهية التي توحي بالحيوية والتطلع إلى كل ما هو حضاري، إنما يعترضون على الفشل الذي حققه النظام الإيراني على كل المستويات. فشلَ إقتصاديا وفشل قبل كل شيء في إيجاد بديل من الاعتماد على عائدات النفط. وعد أركان النظام في البداية، أي في العام 1979، بالاستغناء عن عائدات النفط وبتطوير الإقتصاد وتنويعه كي لا تكون إيران تحت رحمة العائدات النفطية. فإذا بها اليوم تحت رحمة أسعار النفط أكثر من أي وقت. فشل النظام الجديد في أن يكون مختلفا عن الشاه الذي احتل الجزر الاماراتية الثلاث منذ العام 1971. فشل في كل خطوة أقدم عليها، أكان ذلك في اتجاه البحرين أو في اتجاه لبنان أو في اتجاه مصر أو في اتجاه اليمن...فشل في كل الاتجاهات وعلى كل صعيد، ألّلهم إلا أذا كان الانتصار على أهل بيروت والجبل من سنة وشيعة ودروز ومسيحيين، يسمى انتصارا أو يوما مجيدا.
ولكن كان الفشل الحقيقي في عدم القدرة على الحد من طموحات الشعب الإيراني الذي يسعى إلى أن يكون جزءا من العالم الحضاري وليس ضحية نظام يعالج أزماته الداخلية عن طريق تجميع الأوراق في المنطقة، بما في ذلك المزايدة على الفلسطينيين... وتشجيع انتشار الميليشيات المذهبية في العراق ولبنان واليمن!
إنتفض الإيرانيون. تماما مثلما انتفض اللبنانيون الذين كان يمكن أن يصبحوا أسرى ما هو أسوأ من النظام الإيراني لو انتصر حزب الله وأدواته المسيحية من مستوى ذلك الجنرال الهائج يوم السابع من حزيران- يونيو 2009. كلما تمعّن المرء في المشهد الإيراني، كلما أدرك أنه لن يصح إلاّ الصحيح مهما طال الزمن. الشعارات لا تطعم الناس خبزاً. الأهم من ذلك، أن ما تشهده إيران اليوم مجرد بداية. لكن الإيرانيين سينتصرون في نهاية المطاف. ستنتصر الثورة التي سعت إلى تأسيس دولة ديموقراطية حضارية منفتحة على العالم فيها تعددية حزبية. ستنتصر إيران تماما مثلما انتصر لبنان!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.