5 آذار 2020 | 14:09

كتب خيرالله خيرالله

الثابت الوحيد في إسرائيل

الثابت الوحيد في إسرائيل
المصدر: خيرالله خيرالله

شكل بنيامين نتانياهو حكومة إسرائيلية جديدة ام لم يستطع ذلك. المهمّ اخذ العلم بالتغيير الكبير ‏الذي حصل في إسرائيل حيث صارت المنافسة بين اليمين واليمن ومزايدة بينهما على استبعاد ايّ ‏دور للأحزاب العربية. لا يريد الحزبان اليمينيان الكبيران (ليكود وازرق وابيض) السماع ‏بالاحزاب العربية على الرغم من النتيجة الجيّدة التي حققتها في الانتخابات الأخيرة‎.‎

من الواضح ان "بيبي"، كما يسمّيه الإسرائيليون، استطاع تعويم نفسه اوّلا وتحقيق انتصار ‏سياسي كبير في الوقت ذاته. حصل تكتل ليكود على 35 او 36 نائبا، من اصل 120، في ‏الكنيست نتيجة الانتخابات الأخيرة، وهي الثالثة في غضون سنة واحدة. لم يعد امام الرئيس ‏الاسرائيلي رؤوفين ريفلين سوى تكليفه تشكيل حكومة نظرا الى ان حزبه حلّ اوّلا... الّا اذا ‏حصل تدخل من القضاء يمنع ريفلين من الاقدام على مثل هذه الخطوة‎.‎

يبدو لافتا التوجّه لدى الجمهور الإسرائيلي الى إعادة الثقة بنتانياهو على الرغم من تهم الفساد ‏الموجّهة اليه والتي ستجبره على المثول امام القضاء في غضون أسبوعين. يشير ذلك الى ان ‏الشعب في إسرائيل لم يعد مهتمّا باي قيم ذات طابع أخلاقي. كلّ ما يهمّ الإسرائيلي العادي حاليا ‏متابعة سياسة يمينية تقوم على تحقيق الرفاه والعيش الرغيد وتكريس الاحتلال للضفّة الغربيّة من ‏جهة، في غياب ايّ اهتمام بما كان يسمّى عملية السلام مع الفلسطينيين من جهة أخرى‎.‎

ليس مضمونا ان يشكل "بيبي" حكومة. ليس لديه الى الآن سوى 58 صوتا في الكنسيت، فيما ‏حاجته الى 61 صوتا. على الرغم من ذلك كلّه، هناك نقاط عدّة لا مفرّ من التوقّف عندها. مثل ‏هذه التقاط، التي تستأهل بعض الاهتمام، قد تساعد في فهم التحوّل الجذري الذي شهدته إسرائيل ‏في السنوات العشرين الأخيرة وصولا الى تمكين "بيبي" من ان يكون "ملك إسرائيل". حاز على ‏هذا اللقب نظزا الى انّه امضى المدة الاطول من أي سياسي آخر في موقع رئيس الوزراء‎.‎

في مقدّم النقاط، التي يستحسن التوقّف عندها، ان من انتصر في إسرائيل هو قاتل اسحق رابين ‏في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1995. اسم هذا القاتل ييغال عمير، وهو شاب يهودي ‏متطرّف من أصول يمنية. قرّر عمير، استنادا الى اعترافاته، قتل رابين بسبب توقيعه اتفاق ‏أوسلو مع ياسر عرفات في خريف العام 1993. منذ قتل رابين، ماتت عملية السلام وتبيّن انّ ‏هناك إسرائيل أخرى ولدت في اللحظة التي استطاع فيها عمير اطلاق الرصاصة القاتلة التي ‏انهت حياة رجل سياسي بكلّ ما كان يرمز اليه، بما في ذلك دوره كرئيس للاركان في حرب ‏‏1967. كان رابين يرمز قبل ايّ شيء آخر الى القدرة على اتخاذ قرار صعب يقضي بعقد اتفاق ‏مع هذا الطرف العربي او ذاك‎.‎

مع اغتيال اسحق رابين، لم يعد في إسرائيل قادة سياسيون لديهم تاريخ مرتبط باحداث مهمّة ‏محدّدة منذ اعلان ديفيد بن غوريون عن قيام الدولة في العام 1948 ثم الحروب التي خاضتها ‏إسرائيل ان في 1956 او 1967 او 1973. بقي شمعون يبريس الذي تبيّن مع الوقت انّه لا ‏يمتلك أي مواصفات قيادية، شخصية عاجزة عن الحسم عندما كانت هناك حاجة اليه. الدليل على ‏ذلك، انّه لم يستطع البقاء حيّا سياسيا في غياب اسحق رابين. نجح في خسارة انتخابات 1996 ‏على الرغم من انّ الإسرائيليين كانوا متعاطفين مع حزب العمل في تلك المرحلة. امّا ارييل ‏شارون فظلّ مجرّد سياسي يميني لا همّ له سوى الدفع في اتجاه قضم مزيد من الأراضي ‏الفلسطينية وصولا الى يوم لا يعود فيه أي امل بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة‎.‎

يمثل "بيبي" إسرائيل الأخرى التي ولدت يوم اغتيال رابين. يمثّل قبل كلّ شيء التحوّل الذي ‏شهده المجتمع الإسرائيلي. ساعدت "حماس" في حصول هذا التحوّل عن طريق العمليات ‏الانتحارية التي نفذتها في القدس وتل ابيب وغيرهما في تسعينات القرن الماضي وفي مطلع ‏القرن الواحد والعشرين من اجل افشال أي عملية سلام. ففي مثل هذه الايّام من العام 2002 ‏وفيما كانت القمة العربية في بيروت تنهي اعمالها، كانت هناك عملية انتحارية في منطقة قريبة ‏من الحدود اللبنانية قتل فيها مدنيون إسرائيليون. لم يكن من هدف للعملية سوى خنق مبادرة ‏السلام العربية التي اقرّتها القمّة العربية في المهد‎.‎

لا يمكن الحديث فقط عن دور "حماس" المدعومة من ايران في تغيير طبيعة المجتمع الإسرائيلي. ‏هناك عوامل أخرى ساهمت في هذا التغيير من بينها الثروة الكبيرة التي بدأت تصنعها الشركات ‏الإسرائيلية التي تعمل في مجال التكنولوجيا المتطورة. صارت بعيدة تلك الايّام التي كانت فيها ‏حياة الكيبوتز ترمز الى المجتمع الإسرائيلي‎.‎

تغيّرت إسرائيل من داخل كلّيا. تغيّرت طبيعة العلاقات الاميركية – الإسرائيلية في عهد دونالد ‏ترامب. تغيّرت المنطقة أيضا. شمل التغيير العلاقة الروسية – الإسرائيلية. هناك تنسيق واضح ‏بين الجانبين في سوريا. هناك أيضا علاقة متميّزة بين الرئيس فلاديمير بوتين و"بيبي". ظهر ‏ذلك في مناسبات عدّة كشفت عمق الروابط بين الرجلين‎...‎

ما يتجاهله كثيرون انّ تفاعلات الزلزال العراقي الذي وقع في مثل هذه الايّام من العام 2003 ‏مستمرّة. انتهى العراق الذي عرفناه في ضوء الاجتياح الاميركي وقيام نظام جديد ليس قابلا ‏للحياة. انتهت أيضا سوريا التي عرفناها، فيما دخل لبنان مرحلة الانهيار الفعلي. ليس معروفا ‏كيف سيتأقلم "حزب الله"، الميليشيا المذهبية التابعة لإيران والتي تسيطر على "العهد القوي" في ‏لبنان مع هذا الانهيار. فوق ذلك كلّه، هناك رأي عام عربي رسمي وشعبي بات يعتبر، باكثريته، ‏ان ايران تمثّل الخطر الأكبر على العرب عموما‎.‎

ليس مهمّا ان يشكل "بيبي" حكومة، بمقدار ما انّ المهمّ السعي الى رؤية التغيرات الكبيرة التي ‏تشهدها المنطقة وذلك من خلال ما يحدث في إسرائيل نفسها. اليس مستغربا انّ تدين السلطة ‏الوطنية الفلسطينية "صفقة القرن" وان تقف بعد ذلك موقف المتفرّج؟ اليس مستغربا اكثر الكلام ‏عن استعادة الوحدة الوطنية ردّا على "صفقة القرن"، فيما يشير الواقع الى ان الانقسام الفلسطيني ‏‏– الفلسطيني بات اكثر عمقا من ايّ وقت؟

هذه مجرّد ملاحظات على ما نراه من تغييرات في المنطقة كلها وفي إسرائيل نفسها حيث الشيء ‏الوحيد الثابت استمرار الاستيطان وتوسيع رقعة الاحتلال... شكّل "بيبي" حكومة ام لم يشكّل مثل ‏هذه الحكومة‎!‎

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

5 آذار 2020 14:09