عاجلا ام اجلا سيتغيّر الشرق الاوسط. ليس مطروحا هل يتغيّر ام لا بل هل يتغير نحو الافضل ام نحو مزيد من التشرذم؟ انه السؤال الكبير الذي يطرح نفسه في العام 2009 بعد عشرين على بداية النهاية للحرب الباردة في 1989. خيّل لكثيرين ان العالم العربي استثناء وانه سيبقى في منأى عن العاصفة التي هبت على العالم في العام 1989. الى متى يمكن ان يبقى استثناء؟
كان العام 1989 مفصليا على الصعيد العالمي. سيأتي، ولا شك، يوم يُعتبر فيه ذلك العام نقطة تحول ذات طابع تاريخي شهدت انقلاب العالم رأسا على عقب. تكفي في هذا المجال الاشارة الى ان العام 1989 كان بداية انتشار الشبكة العنكبوتية (الانترنت) التي غيرت طبيعة الاتصالات في العالم والعلاقات بين الاشخاص وبين الشركات والحكومات وفتحت الابواب امام تحطيم كل انواع الرقابة على المعلومات. ويكفي ايضا انها السنة التي انهار فيها جدار برلين وتوحدت المانيا. كان انهيار الجدار اشارة الانطلاق لانتشار الديموقراطية في اوروبا وتفتيت الاتحاد السوفياتي الذي لم يعد موجودا في بداية السنة 1991. ادى ذلك الى بدء الحديث وقتذاك عن نظام دولي جديد لا يزال، الى الان، قيد التكون اثر تفرد الولايات المتحدة الاميركية بلقب القوة العظمى الوحيدة في العالم. كلما مر يوم، يتبين ان حمل لقب القوة العظمى الوحيدة الواحدة شيء والتصرف بالقوة بشكل فعّال شيء اخر وان العالم اكثر تعقيدا بكثير مما يعتقد السياسيون الاميركيون الذين راكموا في السنوات الاخيرة الفشل على الفشل، وخصوصا مع وصول جورج بوش الابن الى البيت الابيض مطلع القرن الواحد والعشرين.
بدا الشرق الاوسط، اقله ظاهرا وكأنه خارج التحولات الدولية. لكنه ليس بعيدا ذلك اليوم الذي سيتبين فيه ان العالم بالفعل قرية كبيرة. متى سيظهر واضحا مدى تغير الشرق الاوسط؟ المسألة مسألة وقت ليس إلا. كل ما يمكن قوله الان ان المنطقة في مرحلة انتقالية. لعل افضل دليل إلى ذلك، صعود قوى اقليمية غير عربية باتت تلعب دورا مباشرا على الصعيد العربي. أبرز هذه القوى إيران وتركيا وإسرائيل التي شنت في السنوات الاخيرة سلسلة من الحروب في اتجاه لبنان والفلسطينيين تحديدا. كشفت الحروب الاسرائيلية هشاشة الوضع العربي عموما وعدم القدرة على الرد بموقف موحد. اكثر من ذلك، كشفت هذه الحروب ان العرب لم يتعلموا شيئا من دروس الماضي. ما زالوا لا يفرقون بين الانتصار والهزيمة ويبنون سياساتهم على انتصارات وهمية تماما كما حصل مع مصر في العام 1956 حين لم يحصل تقويم جدي لحصيلة حرب السويس والاسباب التي ادت الى فشل العدوان الثلاثي. كان الفشل في اجراء تقويم جدي للوضع العسكري والسياسي والتوازنات الاقليمية والدولية الجديدة التي كانت سائدة في حينه من بين الاسباب الحقيقية التي جعلت الحديث رائجا عن تحقيق انتصار كبير. في الواقع كانت هناك اسباب موضوعية لانكفاء بريطانيا وفرنسا واسرائيل وتراجع العدوان. ما سمي انتصار العام 1956 كان في صلب هزيمة 1967. انها الهزيمة التي لا يزال العرب يعانون اثارها حتى اليوم غير مدركين كيف الرد عليها على الرغم من انه تبين في نهاية المطاف ان لا مفر في النهاية من الاعتراف بأن مصر لم تستعد اراضيها وحقوقها الا عبر التفاوض، كذلك فعل الاردن الذي ادرك باكرا بفضل الملك حسين، رحمه الله، ان العالم يتغيّر في العمق وان لا مجال للتغاضي عما يدور على الكرة الارضية. لم يكن صدفة ان العودة الى الحياة النيابية في الاردن كانت في اليوم الذي كان فيه جدار برلين يتهاوى في شهر تشرين الثاني من العام 1989...
في السنوات العشرين الاخيرة، اعتبر بعض العرب ان عاصفة العام 1989 لن تصل الى المنطقة. كل ما في الامر انها وصلت متأخرة. من كان يتصور يوما ان العراق العضو المؤسس لجامعة الدول العربية سيحل به ما حل به الى درجة لم يعد معروفا هل يبقى دولة موحدة؟ الاكيد انه لا يمكن التأسف على رحيل نظام صدام حسين ولكن من كان يتصور ان تركيا ستكون الوسيط بين سوريا واسرائيل وذلك في ضوء غياب العراق وتعزيز دورها الاقليمي؟ من كان يتصور ان ايران صارت تعتبر انها القوة الاهم في لبنان وحتى في الاراضي الفلسطينية وانه يمكن ان تسمح لنفسها بالتدخل في شؤون مصر والخليج وحتى اليمن. من كان يتصور ان مستقبل العراق يبحث بين إيران والولايات المتحدة؟ هذه الاسئلة مجرد نماذج عن عمق التغييرات التي شهدها الشرق الاوسط. انها مجرد نماذج. الحديث عن التغييرات يمكن ان يطول ويطول في انتظار اليوم الذي ستتبلور فيه طبيعتها في الشرق الاوسط.
ليس مطلوبا من المنظومة العربية الاستسلام امام الامر الواقع بمقدار ما ان المطلوب الاقتناع بان المنطقة تواجه نوعا جديدا من التحديات يتمثل في صعود النزعات المتطرفة في معظم الدول، خصوصا في اسرائيل. يترافق ذلك مع طموحات لا حدود لها لإيران التي لم تعد تخفي حتى ان الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها منذ العام 1971 ايرانية الى الابد كما تتصاعد فيها بين حين واخر اصوات تشكك في ان البحرين دولة مستقلة ذات سيادة. هل في استطاعة المنطقة التعايش مع المتغيرات التي ادت بين ما ادت اليه جعل التسوية في طريق مسدود اكثر من اي وقت؟ هل في الامكان استمرار الوضع الراهن الذي يشهد تصاعد الاصوليات والتطرف من كل أوْب وصوْب من دون انفجار كبير؟ الجواب علامة استفهام كبيرة. ليس طبيعيا ان يتغير العالم كله وان يبقى الشرق الاوسط على حاله الى أبد الآبدين...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.