لا يشكل توجيه صحافي عراقي فردتي حذائه الى جورج بوش الابن سوى تعبير عن مدى شعور هذا الصحافي ومعه ملايين العراقيين بعداء شديد، وحتى بحقد، تجاه السياسة الأميركية في الشرق الاوسط. انه تصرف يكشف في الوقت ذاته ما لم تعد حاجة الى اكتشافه. انه العجز العراقي والعربي الذي جعل بعض العرب والإيرانيين يمجّدون الحذاء من جهة ومدى الجهل الأميركي بالعراق من جهة اخرى. لا حاجة في اي شكل للاستجابة الى الغريزة البدائية والوقوف مع الصحافي منتظر الزيدي ودعمه والاشادة به كما فعل كثيرون في العالم العربي وبعض التابعين للنظام الإيراني الذين نسوا او تناسوا ان إيران كانت الطرف الاقليمي الوحيد، الى جانب اسرائيل طبعا، الذي دعم الحرب الأميركية على العراق.
الاكيد ان من يصفق للصحافي، الذي اساء الى المهنة الى حد كبير كما اساء الى النظرة الى الصحافي العربي عموما، لا علاقة له لا بالسياسة ولا بالحضارة. من صفق للصحافي وأشاد به، اكان ذلك في لبنان او خارجه، عبّر عن حال من الافلاس والعجز عن التعاطي مع اي قضية مطروحة بطريقة حضارية. من يصفق للصحافي العراقي يعبر عن حال افلاس لا اكثر. هل هناك افلاس اكبر من الاضطرار الى التصرف بهذه الطريقة الهوجاء في مؤتمر صحافي بغض النظر عن الرأي الشخصي بالرئيس الأميركي وسياساته وتصرفاته البعيدة في معظم الاحيان عن كلّ ما هو انساني. يكفي ما آل اليه العراق للتأكد من ان السياسة الأميركية مدانة في هذا البلد وغيره. لكن لا شيء يبرر رمي الرئيس الأميركي بفردتي حذاء بما يعطي فكرة سيئة عن الصحافة العراقية بشكل خاص والصحافة العربية عموما.
أقل ما يمكن قوله عن بعض الصحافة العراقية والعربية بعد الذي حصل في بغداد فيما كان بوش الابن يعقد مؤتمرا صحافيا، وإلى جانبه رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي، ان لا علاقة لهذه الصحافة بالمهنية ما دام الصحافي غير قادر على التمييز بين مواقفه الشخصية وآرائه السياسية من جهة وواجبه المهني من جهة اخرى. ثمة من سيقول في طبيعة الحال، من باب تبرير تصرف منتظر الزيدي، ان ما قام به الصحافي كان الطريقة الوحيدة التي يمتلكها للتعبير عما يجيش في قلوب كثيرين من العراقيين تجاه السياسة الأميركية بعد كلّ ما حل ببلدهم من مصائب. ولكن يبقى السؤال هل من صحافي عراقي يتجرأ على مجرد الاتيان بحركة في اتجاه خلع حذائه لو كان في حضرة صدّام حسين او من هم على شاكلته من الحكّام؟ هل كان صدّام، او معظم الحكام العرب، على استعداد لأستقبال صحافيين وقبول ان يطرحوا عليهم اسئلة؟ في حال حصل ذلك، وهو احتمال افتراضي الى حد كبير، ما الذي كان سيحل بالصحافي الذي يمكن ان يطرح سؤالا لا يعجب السيّد الرئيس حفظه الله؟ بالطبع، هناك قلة من الحكام العرب تتعاطى بطريقة حضارية مع الصحافة والصحافيين وتحاول الرفع من شأن المهنة. لكن القاعدة في معظم انحاء المنطقة، بما في ذلك إيران التي سعت الى استغلال الحادث بطريقة رخيصة، ان الصحافي منبوذ ولا يمكن التعاطي معه الا بصفة كونه موظفا رسميا عليه ان يكتب او يقول ما يُتلى عليه.
ولكن ابعد من قضية الصحافي وطريقة تصرفه في اثناء الزيارة الوداعية لبوش الابن للعراق، لا بدّ من السعي الى جردة لما خلفته ادارة الرئيس الأميركي. يحصد بوش الابن ما زرعه. عملت ادارته كل ما يجب عمله من اجل عراق بائس بكل معنى الكلمة... عراق اكثر بؤسا مما كان عليه في عهد صدّام حسين. عراق بائس في منطقة بائسة تمجد من يستخدم الحذاء من اجل استعادة الكرامة. هل هذه هي الديموقراطية التي حاولت ادارة الرئيس الأميركي طوال ثماني سنوات نشرها في المنطقة انطلاقا من العراق؟ هل هذا النموذج الذي سعت الى تعميمه على الشرق الاوسط الكبير؟
سيمر حادث الحذاء. لن يتذكره سوى اولئك الذين يعتبرون انه وسيلة لاستعادة الكرامة في هذا الزمن الرديء الذي يتميز بغياب الحدّ الادنى من المنطق. صار العراق فجأة بخير، بالنسبة الى كثيرين بفضل منتظر الزيدي! والحقيقة ان البلد، الذي كان الى ما قبل فترة قصيرة عربيا ومن ركائز النظام الاقليمي العربي، في حال يرثى لها بسبب تمدد النفوذ الإيراني فيه وانتشار الفساد والفوضى في كل المرافق العامة. لم يحصل هذا التمدد الا بفضل بوش الابن وادارته التي لم تدرك معنى الاخلال بالتوازن الاقليمي وترك العراق مرتعا للأحزاب المذهبية والتنظيمات الارهابية.
الكلام الجدي الان، ان هناك بداية وعي لدى العراقيين من كل الطوائف والمذاهب لخطورة الاحزاب المذهبية، اكانت سنية او شيعية. كيف ستكون الترجمة العملية لهذا الوعي وهل تظهر عبر نتائج انتخابات المجالس المحلية المقبلة؟ هذه المسألة هي التي تهم العراقيين. ما يهمهم انقاذ وحدة البلد وتطوير نظامه بعيدا عن النفوذ الإيراني وغير الإيراني. ما يعيد الكرامة للعراقي العيش في دولة مؤسسات قبل اي شيء آخر بعيدا عن الميليشيات المسلحة والتنظيمات الارهابية والشعارات المضحكة المبكية من نوع ان الحذاء يعيد الكرامة!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.