8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هناك مكان يمكن أن يبدأ منه أوباما....

سيكتشف الأميركيون يوماً ما، قد يأتي ولا يأتي، أن السياسات الخرقاء للإدارت المتلاحقة تجاه الشرق الأوسط لم تصب ولن تصب سوى في استمرار حال عدم الاستقرار السائدة منذ عقود عدة. يخشى أن لا يكون هناك وعي في واشنطن لخطورة عدم الاستقرار في المنطقة، أو ربما أن الإدارات الأميركية المتلاحقة تعتبر إدارة الأزمات جزءاً من واقع لا تستطيع الهرب منه، وأن في استطاعة أي إدارة توريث الأزمات التي لم تجد حلولاً لها أو التي كانت وراء افتعالها الى تلك التي ستخلفها. سيرث باراك أوباما، على سبيل المثال وليس الحصر، العراق والبرنامج النووي الإيراني وباكستان وأفغانستان والصومال. يضاف الى ذلك كله، في طبيعة الأحوال الحرب غير المنتهية على الإرهاب. يحصل ذلك في وقت سيكون على أوباما الانصراف الى معالجة ما يمكن وصفه بأزمة اقتصادية لا سابق لها في تاريخ الولايات المتحدة...
كان جديد ما بعد انتهاء الحرب الباردة أن حال عدم الاستقرار الاقليمي باتت همّاً أميركياً في مطلع التسعينات بعدما اعتبرت واشنطن أن مشاكل الشرق الأوسط قابلة، في معظمها، للحل بمجرد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي. كان تحرير الكويت خطوة مهمة وأساسية وضرورية في حينه. ولكن، كان مفترضاً استتباعها بخطوات أخرى تنم عن القدرة الأميركية على المبادرة. وحدها إدارة جورج بوش الأب، التي رفض الأميركيون التمديد لها أربع سنوات أخرى، كانت قادرة على متابعة ما بدأته من منطلق امتلاك رؤية استراتيجية من جهة وفهم في العمق للمنطقة من جهة أخرى. المؤسف أن ذلك لم يحصل، بل جاء بيل كلينتون ليمارس طوال ثماني سنوات سياسة من نوع آخر بعيدة كل البعد عن أي نوع من المبادرات الشجاعة في الشرق الأوسط أو الاستمرارية والثبات والانضباط والتزام خط معيّن.
كانت النتيجة ترك العراق يهترئ طوال ثماني سنوات. في الوقت ذاته، كانت إيران تعزز مواقعها في المنطقة، خصوصاً داخل العراق نفسه في انتظار اليوم الذي سيهديها جورج بوش الابن انتصاراً تاريخياً، لم تحلم به يوماً، أدى الى اختلال التوازن في الشرق الأوسط كله. تمثل الانتصار الإيراني في الدخول الأميركي الى العراق الذي جاء بعد الدخول الى أفغانستان. في الحالين كانت إيران المستفيد الأول. وفي الحالين كانت الحليف الأول، غير المعلن، للولايات المتحدة التي يسميها ملالي إيران الشيطان الأكبر. هل أفضل من الشيطان الأكبر في دور الحليف عندما يقوم بحروب بالنيابة عن إيران؟
كلّ ما في الأمر أن إيران ستكون مستعدة في المرحلة المقبلة، طوال عهد باراك أوباما لخلق مشاكل من كل نوع للإدارة الجديدة كي تؤكد لها أن عليها التفاوض ويجب أن تكون معها وليس مع أي طرف آخر في شأن مستقبل الشرق الأوسط وتقاسم النفوذ والأدوار فيه؟
لم تستوعب أطراف إقليمية ودولية عديدة في حينه أن المغامرة المجنونة التي أقدم عليها نظام صدّام حسين العائلي ـ البعثي، والمتمثلة في احتلال الكويت، ستترك آثارها على المنطقة كلها وليس على العراق وحده، وأن من الأفضل المباشرة بمعالجة نتائج جنون النظام العراقي على وجه السرعة. كانت إدارة بوش الأب التي ضمّت ثلاث شخصيات مؤهلة لقيادة العالم في مرحلة ما بعد الحرب الباردة في مستوى الأحداث الدائرة. كانت هذه الشخصيات الرئيس نفسه ووزير الخارجية جيمس بايكر ومستشار الأمن القومي برنت سكوكروفت. فهم الثلاثة، مثلاً، أهمية عدم ملاحقة صدّام الى داخل بغداد تفادياً لنتائج كارثية تنتج عن انهيار النظام العراقي من دون وجود خطة بديلة متكاملة لمعالجة ما بعد هذا الانهيار. وفهم هؤلاء، بفضل خبرتهم الطويلة في الشؤون العالمية، أن النظام في إيران مستعد في أي لحظة لشغل الفراغ الذي يحتمل أن ينجم عن انهيار غير مدروس للنظام البعثي الذي قضى على نسيج المجتمع. لذلك، انصب الاهتمام بعيد الانتهاء من تحرير الكويت على السلام في الشرق الأوسط، فعُقد مؤتمر مدريد في آخر تشرين الأول ـ أكتوبر من العام 1991 بغية ايجاد تسوية تكون حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي.
لا شك أن الوضع في الشرق الأوسط في سنة 2008 أكثر تعقيداً بكثير مما كان عليه في العام 1991. ولا شك أيضاً أن هناك أطرافاً كثيرة ستؤكد لأوباما أن عليه التركيز على باكستان وأفغانستان، وأن أولوية الأوليات ستكون للاقتصاد. لكن ذلك لا يمنع من التأكيد مرة أخرى، أنه في غياب التفكير الاستراتيجي والسياسة المنضبطة ذات الأهداف الواضحة لإدارة أوباما، ستزداد الأزمات العالمية سوءاً. هناك مكان واحد في الإمكان تحقيق تقدم سريع فيه. إنه الشرق الأوسط. إنه السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين... حتى لو اقتصر الأمر على الضفة الغربية في البداية وتُركت حماس تتمتّع بابتلاع سمّ غزة جرعة وراء الأخرى. إن الإقدام على مبادرة أميركية تؤدي الى الانتهاء من السياسة الإسرائيلية القائمة على تكريس الاحتلال بحجة أن لا شريك فلسطينياً يمكن التفاوض معه، سيظهر للعالم أن هناك وعياً أميركياً واستيعاباً للحاجة الى الاستقرار في الشرق الأوسط انطلاقاً من العمل بمبادئ العدالة وقرارات الشرعية الدولية. نعم هناك مكان يمكن البدء منه. إنه المكان الذي ينصح به عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني منذ سنوات، وذهب مرات عدة الى واشنطن من أجله. إنه السلام، أو على الأصح التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. هل تعود إدارة أوباما الى المبادئ السياسية الواضحة التي اعتمدتها إدارة بوش الأب، أم تكرر ما فعلته إدارتا كلينتون وبوش الابن حيث لم يكن مكان سوى للعشوائية؟ ولكن في النهاية هل الاستقرار الاقليمي همّ أميركي؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00