الاستقلال عالراس والعين،
ما يختلف بأمرو تنين،
لكن يللي ورا الدفة مش فاهمين الدرب منين...
مع بداية عهد الإستقلال الذي كان موضع ترحيب وتهليل من قبل عمر الزعني، بآعتباره حقاً وطنياً، يجعل من اللبنانيين قادرين على تدبر شؤونهم المحلية بإرادة حرة، وأن يبسطوا سيادة حكمهم الوطني على كامل التراب اللبناني، بعدما عانوا الأمرين من الحكم العثماني والإنتداب الفرنسي، فحظي بمكانة خاصة عند الرئيس بشارة الخوري، الذي كان يصطحبه معه عندما كانت الرئاسة تنتقل صيفاً إلى مقرها في قصر بيت الدين، حيث كان الزعني يضفي رونقاً خاصاً على مجالس الرئيس بشارة الخوري.
رغم ذلك، لم يهادن الزعني صديقه رئيس الجمهورية حينما إصطدم بالواقع السياسي الذي ينخره الفساد وسوء الأداء والطائفية والمحسوبية والفوضى العارمة والغلاء والإحتكار، فعمد إلى إنتقاد الرئيس والإدارة الوطنية مباشرة، ودون خوف من المصير المحتم ألا وهو السجن والتوقيف من قبل رجال البوليس....
هذا لا يعني أن الزعني كان يخضع لحالات من التقلب بالمواقف وعدم الثبات، بل كان هو الموقف الثابت بحد ذاته إنسجاماً مع قناعاته ومشاهداته للتحولات والمتغيرات من حوله التي لا تحمل الإلتباس ولا المحاباة، لذا فإن كل من المديح والهجاء له وقته ومنبره، تبعاً للتطورات التي تتحكم بمسار الواقع السياسي والإقتصادي والإجتماعي.
وما يؤكد ذلك أنه إتهم تارة بقربه من السلطة، وتارة ببعده عنها، لكن في كل الأحوال بقي شاعراً إنتقادياً، فلم يلتفت يوماً إلى المهراجانات ولا إلى التكريم ولا للأوسمة، بل بقي فناناً وأديباً مبادراً وملتزماً بقضايا الشعب والوطن، وصوتاً ساخطاً في وجه كل أشكال الزيف والخداع على الصعيد الوطني من قبل الطبقة السياسية التي كانت (وما زالت) تجيدها بإتقان!!!
ويروى أنه حينما قلدت الراقصة بديعة مصابني وساماً رفيعاً من الدولة اللبنانية، تقديراً لفنها الرفيع(!) رفض الزعني أن يقلد نفس الوسام، معبراً أن الوسام الذي علق على ورك بديعة مصابني، عمر الزعني لا يضعه على صدره...
•عمرك قصير يا مشمش:
كانت باكورة قصائده في إنتقاد الرئيس بشارة الخوري منظمومة بشيء من الغموض والتورية الواضحين، حيث أنه لم يسميه بالمباشر، بل ترك ذلك لمخيلة المتلقي، و مماجاء في تلك القصيدة التي كانت بعنوان "عمرك قصير يا مشمش":
يللي مغرور بحالك،
ياما وياما مخبى لك،
فرحان ومطمن بالك،
مهما طالت آمالك،
عمرك قصير يا مشمش،
*
لا تقول يا أرض إشتدي،
في الدنيا ما حدا قدّي،
شو بتهدي لتهدي،
متل اليوسف أفندي،
عمرك قصير يا مشمش...
لكنه ومع ما لبث أن رفع من منسوب النقد الواضح والصريح للعهد، فإستهدف الرئيس بشارة الخوري بقصيدة، قال فيها:
بقول المثل يا أبو الخل،*
إذا حلق جارك فل،
أما بتحلق أو بتفل،
وهيك مقدر ومكتوب،
كأس وداير على الكل...
*المقصود ب "أبو الخل" الرئيس بشارة الخوري بآعتبار نجله البكر إسمه خليل(!)
•جددلو ولا تفزع:
لكن الخلاف الكبير مع الرئيس بشارة الخوري وقع عندما أقنع النواب بتجديد ولايته لمرة ثانية، بعدما عدلوا الدستور، فجدد له ست سنوات، لم يمض منها في الحكم إلا ثلاث فقط.
وعلى ضوء ذلك، أنشد الزعني قصيدته المشهورة التي قادته إلى سجن "الرمل" مجدداً، حيث قال فيها:
جدّدلو ولا تفزع،
خليه قاعد ومربع،
بيضل اسلم من غيرو،
وأضمن للعهد وانفع،
*
تاري حساب السرايا،
غير حساب القرايا،
في الزوايا خبايا،
وفي الخبايا بلايا،
بين سوء النية،
والمطران فقس المدفع،
*
وجه عرفناه وجربناه،
وعرفنا غايتو ومبداه،
ووافق هوانا هواه،
قدام خصمو يا محلاه،
ما دام ظهرت نواياه،
ما عاد في مانع يمنع،
*
لا تخاف إلا من الطفران،
الطفران غلب السلطان،
أما المليان والشبعان،
من لقمة زغيري بيشبع،
*
هوي بامنيتو ظفر،
ومدامتو شبعت سفر،
والمحروس نال الوطر،
وإخواتو شبعو بطر،
ما عاد في منو خطر،
ما عاد إلو ولا مطمع،
جددلو ولا تفزع،
*
ذاتا ما خلا جواهر،
ولا مخلفات عساكر،
ميري وكوتا عالآخر،
وفرغت كل العنابر،
وانقطع النقد النادر،
والتبلاين مد القساطر،
ما عاد بقا يبلع...
*
•إلى السجن، ثم المصالحة مع الشيخ بشارة:
إنتشرت هذه الأغنية انتشاراً كبيراً، وأثار هذا النجاح حفيظة الشيخ بشارة الخوري، فأمر بسجن صاحبها مدة ستة أشهر. قضى الزعني في السجن أربعين يوما، وأصيب من جراء سجنه بمرض السكري، بالرغم من أنه كان يقول: "لم أصادف في السجن أي عناء فقد كنت أعامل معاملة طيبة من المشرفين على إدارة السجن، ولولا أني كان مقيّداً ضمن جدران أربعة لما شعرت أني مسجون".
ثم صدر عفو اجمهوري عنه من قبل الشيخ بشارة نفسه، وذلك بفعل ضغوط الرأي والعام اللبناني، فزاره الوزير حبيب ابو شهلا وطلب منه أن يذهب إلى الرئيس ويصالحه، وهكذا كان...
•الإنتقال إلى الإذاعة:
بعد ذلك إنتقل عمر الزعني إلى العمل في إذاعة "الشرق الأدنى"، مبتعداً عن السياسة، ذلك لأنّ لها مجالاً غير مجال الإذاعة، أي في الحفلات العامّة.
وكانت هذه الإذاعة التي أسّستْها الحكومة البريطانيّة بداية الأربعينيّات من القرن الماضي في يافا قد اتّخذتْ لها استوديوهات للإنتاج في بيروت عام ١٩٥٢، وكان مديرها الفنّيّ صبري الشريف، حيث ساهم بنظم الأغاني ومقدّمات البرامج والإعلانات، كما إشترك في برامج المنوّعات مثل "مفتاح السَّعد"، و"انسَ همومك" و"استعراض أهل الفنّ"، و"غزل البنات" إلى جانب نجيب حنكش وشامل ومرعي ومطربين وشعراء، وتولّى إخراجها عبد المجيد أبو لبن وقاد الفرقة الموسيقيّة توفيق الباشا.
-يتبع: الزعني وعهد شمعون:
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.