8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

نقاش البيان الوزاري كشف استمرار وجود ثقافتين!

كان النقاش الذي دار في مجلس النواب اللبناني لدى مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة مفيدا. كشف البيان استمرار وجود ثقافتين في لبنان لا سبيل للجمع بينهما. ثقافة مرتبطة بمجتمع مدني يمكن اختصارها بثقافة الحياة وثقافة اخرى تمجد الموت والتدمير والبؤس وكل ما له علاقة بتكريس لبنان "ساحة" للمحور الايراني ـ السوري. المؤسف ان رئيس مجلس النواب السيد نبيه بري انضم الى الدفاع عن الداعين الى نشر ثقافة الموت. لو لم يكن الامر كذلك، كيف يمكن لرئيس لمجلس النواب تبرير الاعتصام في وسط بيروت الذي لم يكن سوى استكمال للحرب الاسرائيلية على لبنان؟ كيف يمكن له تبرير الاعتداء على الاملاك الخاصة والعامة وكيف يستطيع تبريرالاعتداء على بيروت وأهل بيروت وانتهاك الحرمات كما حصل في ايار الماضي. كيف يستطيع تجاهل احراق ميليشيا "حزب الله" لمنزل نائب ذنبه الوحيد انه بيروتي أصيل؟ والأهم من ذلك كله، كيف يمكن تبرير ما قام به "حزب الله" في غزوته للعاصمة والجبل والشرخ الذي خلفته الغزوة "المجيدة" بين اللبنانيين وهو شرخ طائفي ومذهبي عميق لا يمكن مقارنته إلا بذلك الذي عانى منه العراق نتيجة الاحتلال الاميركي من جهة والدور الايراني الذي يمارس عبر تسليح الميليشيات من كل الطوائف والمذاهب بغرض تفتيت البلد الذي كان عربيا الى ما قبل فترة قصيرة من جهة اخرى.
لا حدود للفائدة التي يمكن جنيها من مناقشة البيان الوزاري، خصوصا انها سمحت بكشف الاوراق. تبين بكل بساطة ان رئيس مجلس النواب يدرك حقيقة ما يجري على الارض ولكن لا حول له ولاقوة، من دون ان يعني ذلك ان في الامكان الاتيان له بأسباب تخفيفية. اما النائب ميشال عون، فبدا انه غير قادر مع ازلامه من صغار النواب والوزراء سوى ان يلعب الدور المكلف به والذي يختصر بكلمة الاداة لدى الاداة. انه سياسي عندما يتطلب الامر ان يكون عسكريا وعسكري عندما يتطلب الامر ان يكون سياسيا. لا علاقة له من قريب او بعيد لا بالامور العسكرية ولا بالامور السياسية. تاريخ ميشال عون يشهد على ذلك وعلى انه لا يتقن دورا آخر غير دور الاداة. وكانت الترقية التي حصل عليها اخيرا انه صار اداة لدى الاداة. انه لا يعرف حتى ماذا يعني وجود "حزب الله" كميليشيا مسلحة على الارض اللبنانية وأن الحزب لا يستطيع ان يكون غير لواء في الحرس الثوري الايراني يؤمن له وجودا على شاطئ المتوسط. كل ما تبقى تفاصيل. هناك قوة تتحكم بالسلاح في لبنان. هذه القوة هي النظام الايراني الذي استطاع احتلال بيروت في غضون ساعات في غياب اي قوة مسلحة قادرة على مواجهته. ومكنه ذلك من فرض واقع جديد في لبنان كان البيان الوزاري الملتبس وجهًا من وجوهه.
مرة اخرى، كان النقاش الدائر في مجلس النواب مفيدا نظرا الى انه اكد وجود تلك الهوة بين ثقافتي الحياة والموت. وكشف خصوصا ان قسما لا بأس به من اللبنانيين لا يريد ان يتعلّم من تجارب الماضي ومن النتائج التي ترتبت على اتفاق القاهرة الموقع في العام 1969 من القرن الماضي والذي كان كارثة على لبنان واللبنانيين. كان كارثة بكل المقاييس نظرا الى استغلاله من النظام السوري للانقضاض على لبنان وعلى مؤسسات الدولة اللبنانية كي يصل النظام في دمشق الى نتيجة فحواها ان الوطن الصغير في حاجة مستمرة الى وصاية. ثمة من يصرّ على تجاهل الماضي القريب وعلى ان يكون امتدادا لهذا الماضي. بكلام اوضح، ثمة من يصرّ على ان يكون "حزب الله"، بالميليشيا التابعة له، امتدادا للميليشيات الفلسطينية التي كانت في لبنان حتى العام 1982.
كان النواب اللبنانيون الذين تحدثوا في جلسة المناقشة للبيان الوزاري على حق عندما اصروا على ضرورة الانتهاء من سلاح "حزب الله". والحديث هنا عن النواب الوطنيين الذين ليسوا تابعين لـ"حزب الله" او لادواته او لادوات الادوات كذلك الجنرال برتبة مهرج. من يحتاج الى دليل على ذلك، يستطيع العودة الى مرحلة ما بعد حرب صيف العام 2006 وكيف ان سلاح "حزب الله" ارتد على اللبنانيين بدءا باحتلال الوسط التجاري الذي يعتبره الرئيس بري "اعتصاما ديموقراطيا" وانتهاء بـ"غزوة بيروت والجبل" التي خدمت الفكر الاسرائيلي استراتيجيا بمساعدتها في تأجيج الفتنة المذهبية التي تصب في خدمة "الدولة اليهودية" لا اكثر.
لا حاجة الى مزايدات ومزايدين. في العام 1976، كان هنري كيسينجر يتفاوض مع القوى الاقليمية من بينها سوريا واسرائيل في شأن كيفية الانتهاء من الحرب التي نشبت في لبنان. كان همه الاوّل استيعاب الحرب وحصرها بلبنان خشية ان تتحول الى نزاع ذي طابع اقليمي. اهتدى، بقدرة قادر، الى ان ذلك ممكن في حال دخل الجيش السوري لبنان ووضع يده على منظمة التحرير الفلسطينية والمسلحين التابعين لها. وضعت اسرائيل "الخطوط الحمر" للسوري في لبنان. والتزم النظام السوري هذه الخطوط بدقة ليس بعدها دقة. كانت حجة اسرائيل، استنادا الى ديبلوماسي رافق عن قرب المفاوضات التي ادت الى الدخول السوري الاوّل الى لبنان، ان المسلحين الفلسطينيين يجب ان يبقوا في جنوب لبنان وأن هناك حاجة لدى من تسمي نفسها "الدولة اليهودية" الى "التحرش بهم بين فترة وأخرى". ما الذي تغيّر بين 1976 و2008؟ لم يتغير شيء. لا يزال هناك من يريد استخدام لبنان لـ"التحرش" بأسرائيل... بناء على رغبة اسرائيل!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00