بعد خروج هيلاري كلينتون من سباق الرئاسة الأميركية، بات في الإمكان القول إن ثمة أملاً كبيراً في أن يصير باراك حسين أوباما أول رئيس أسود للولايات المتحدة التي تبقى إلى إشعار آخر القوة العظمى الوحيدة في العالم. هناك تحول لدى الرأي العام الأميركي في اتجاه دعم أوباما وتمكينه من الوصول إلى البيت الأبيض. هذا التحول عائد في الدرجة الأولى إلى الرغبة في التغيير. الأكيد ان فوز أوباما لا يزال غير مضمون، لكن الأكيد أيضاً أنه لم يعد في الإمكان الاستخفاف بفرص تغلبه على المرشح الجمهوري جون ماكين الذي يعاني نقاط ضعف عدة إحداها تقدمه في السن. في استطاعة أوباما الاستفادة من نقاط الضعف لدى المرشح الجمهوري كي يكون رئيساً للولايات المتحدة، بل أول رئيس أسود لها.
كان يمكن القول إن نقطة الضعف الأولى لماكين التي ستحول دون فوزه إنه أكبر الرؤساء سنا في تاريخ الولايات المتحدة، خصوصاً أنه تجاوز السبعين. لكنّ هناك نقطة ضعف أخرى أكثر أهمية اسمها جورج بوش الابن.
صار جورج بوش الابن عبئاً على أي مرشح جمهوري بعد الفشل الذي انتهى به عهده على الصعيدين السياسي والاقتصادي. يشعر الأميركي العاديّ هذه الأيام بأن بوش لم يكن صادقاً معه سياسياً وأنه أخذ الولايات إلى حرب لم تعد أميركا تعرف كيف الخروج منها، اللهم إلا إذا كانت تريد تسليم العراق نهائيا إلى إيران. خاضت الإدارة الأميركية الحالية حرباً مكلفة على الصعيدين الإنساني والمالي على أسس واهية. تبين أن بوش الابن تلاعب بالمعلومات التي قدمتها له الأجهزة الأميركية ووظفها في خدمة حرب لم يدرك في أي لحظة ما هي النتائج التي ستترتب عليها. من لديه أدنى شكّ في ذلك، يستطيع العودة إلى كتاب سكوت ماكليلان الناطق باسم البيت الأبيض الذي صدر أخيراً والذي كان التركيز فيه على أخطاء الرئيس الأميركي. يقول ماكليلان في كتابه إن بوش كان بالنسبة إليه شخصاً ذكياً وجذّاباً يمتلك الكثير من الصفات الطيبة التي تقربه من الناس كما يمتلك قدرات سياسية متميزة. وكان الفريق الذي اختاره ليكون إلى جانبه من أفضل ما يمكن اختياره. كان هناك نائب الرئيس ديك تشيني وهو من ذوي الخبرة في كل ما له علاقة بالشؤون الدولية. وكان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد من أولئك الذين يشهد لهم العالم على إنهم يعرفون جيداً في المسائل العسكرية ويمتلكون خبرة فيها. وكان وزير الخارجية كولن باول الشخصية السياسية التي تمتلك أكبر مقدار من الشعبية في الولايات المتحدة وكان في إمكان باول أن يكون أول رئيس أسود للولايات المتحدة... لو شاء ذلك! أما كبير المستشارين السياسيين لجورج بوش الأبن ويدعى كارل روف، فقد كان يمتلك نظرة استراتيجية شاملة خصوصاً على الصعيد الداخلي. رحل رامسفيلد وباول وتبين أن تشيني لا يمتلك سوى تلك القدرة على صوغ سياسات "تدميرية" ضحيتها الأولى الإدارة على حد تعبير ماكليلان. أما كارل روف، فقد تبيّن انه مناور ليس إلاّ وأنه يضع مصلحة رئيسه فوق المصالح الوطنية. هناك بكل بساطة فارق بين المصلحة الوطنية من جهة والمناورات السياسية التي اتقنها روف وذهب ضحيتها في نهاية المطاف من جهة أخرى.
ترك عهد جورج بوش الأبن آثاراً مدمرة على المجتمع الأميركي، بعدما كذب على الأميركيين في مرحلة ما قبل حرب العراق بغية تبرير الحرب، وصار المجتمع راغباً في التغيير أكثر من أي شيء آخر. هذا ما أدركه باراك أوباما الذي اختار كلمة "التغيير" شعاراً لمعركته مع هيلاري كلينتون. لم يعد المجتمع الأميركي يريد سَماع عبارة التناوب على السلطة بين آل بوش وآل كلينتون بعدما حل بيل كلينتون بعد جورج بوش الأب وجورج بوش الابن بعد بيل كلينتون. لم يعد هناك قبول لفكرة حلول هيلاري كلينتون بعد جورج بوش الإبن. لا تشبه الرغبة في التغيير في المرحلة الحالية سوى تلك الرغبة الجامحة في التغيير التي عرفتها الولايات المتحدة في أواخر عهد جيمي كارتر الذي خلفه رونالد ريغان. ما مكّن رونالد ريغان من الفوز على جيمي كارتر هو ذلك الشعور بالضعف لدى إدارة جيمي كارتر التي فشلت في التعاطي مع إيران ما بعد الثورة في العام 1979 من القرن الماضي. لم يقبل الأميركيون فكرة احتجاز رهائن أميركية في السفارة في طهران طوال 444 يوماً. ولم يتقبلوا عجز الإدارة عن عمل شيء مع إيران. الآن ليس في استطاعة الأميركيين قبول سياسات يشتم منها أن لا مخرج من المأزِق العراقي. ولهذا السبب ظهرت تلك الرغبة في التغيير التي كان باراك أوباما أفضل تعبير عنها. ولهذا السبب أيضاً، لا يمكن الاستخفاف بإمكان وصول أوباما إلى الرئاسة.
في حال استمرار الوضع الأميركي على حاله، سيكون أوباما رئيساً. لن يحول دون وصول المرشح الديموقراطي إلى الرئاسة سوى تطور مفاجئ يقلب الموازين السائدة الآن. هل في استطاعة بوش الابن الإقدام على عمل دراماتيكي قبل انتهاء ولايته؟ الاحتمال وارد بعدما أمّن الرئيس الأميركي موافقة المرشحين للرئاسة على أن ليس في الإمكان السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي. وفي هذا المجال زايد أوباما على الجمهوريين بتأكيده امام اللوبي الإسرائيلي (أيباك) بأنه لن يسمح بأن تكون هناك إيران نووية. هل يقدم بوش الابن على مغامرة جديدة تعيد بعض الاعتبار لإدارته؟ في حال لم يفعل ذلك، ليس مستبعدا أن يكون باراك أوباما الرئيس المقبل للولايات المتحدة. هناك رغبة أكيدة في التغيير لا يمكن الاستخفاف بها في غياب تطور ذي طابع دراماتيكي يطرأ في الأشهر القليلة الفاصلة عن موعد انتخابات الرئاسة مطلع تشرين الثاني المقبل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.