8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ما يهمّ اللبناني من تقرير فينوغراد الاسرائيلي...

ما الذي يهم المواطن اللبناني من تقرير فينوغراد الاسرائيلي؟ اخيرا صدر تقرير فينوغراد في شأن حرب لبنان صيف العام 2006، كل ما في الامر ان العدو الاسرائيلي حاول الخروج بخلاصة من نتائج هذه الحرب. تقول الخلاصة ان الجيش الاسرائيلي لم يستطع تحقيق اهدافه من خلال الحرب. تبين انه لم يكن مستعدا لها. تبين ايضا انه استخف بقوة مقاتلي "حزب الله" الذين قاوموه ومنعوه من ان تكون حرب لبنان نزهة. تحية لمقاتلي "حزب الله" ولكل شهيد لبناني في تلك الحرب التي كلفت لبنان الكثير والتي لا تزال تكلفه الكثير.
ما يهم اللبناني من الحرب هو الارقام. كم خسر لبنان جراء الحرب؟ كم كان سيربح من دون تلك الحرب التي تسبب بها "حزب الله"؟ بالطبع سيقول الحزب انه لم يفتعل الحرب وأن اسرائيل كانت ستشن الحرب على لبنان خطف الجنديين عند "الخط الازرق" المعترف به دوليا ام لم يخطفهما. هذا الكلام مجرد حجج واهية تستهدف الهرب من الواقع والحقيقة. كل ما في الامر انه كان مطلوبا من "حزب الله" افتعال تلك الحرب كي تتمكن اسرائيل من اعادة البلد الصغير ثلاثين عاما الى خلف. الارقام تتكلم والباقي تفاصيل وكلام من فوق السطوح. كم خسر لبنان؟ كم لبناني هاجر من لبنان؟ كم عربي او غير عربي توقف عن زيارة لبنان او الاستثمار في لبنان؟
يبقى السؤال الاهم وهو لماذا تحول "حزب الله" الى الداخل اللبناني بهذا الشكل الفاقع بعد الحرب مباشرة؟ انه السؤال الذي يؤكد ان "حزب الله" افتعل الحرب خدمة للنظام السوري الذي امره بخطف الجنديين الاسرائيليين بغية استكمال عملية تدمير لبنان ومؤسساته. كل ما في الامر ان النظام السوري اغتال رفيق الحريري باني لبنان الحديث، وجاءت اسرائيل التي تذرعت بخطف "حزب الله" الجنديين لتدمير مشروع رفيق الحريري، اي مشروع اعادة الحياة الى لبنان والى الصيغة اللبنانية القائمة على العيش المشترك. ولما لم تستطع اسرائيل ضرب البنية التحتية اللبنانية بكاملها، تولى "حزب الله" استكمال المهمة مستعينا بأدواته المستأجرة من مستوى وئام وهاب او ميشال عون او سليمان فرنجية او طلال ارسلان... وما شابه ذلك...
استكمل الحزب الايراني المعار للنظام السوري المهمة باحتلاله وسط بيروت بغية المساهمة في تعطيل الحياة الاقتصادية في البلد وافقار اللبنانيين ودفعهم الى الهجرة. كيف يستطيع حزب يدعي بأنه الهي احتلال الاملاك الخاصة والعامة من دون خجل او وجل ومن دون ان يطرح ولو مجرد سؤال عن حجم الاضرار التي لحقت بعائلات لبنانية نتيجة قطع ارزاق المئات من العاملين في المؤسسات التي اقفلت ابوابها في وسط بيروت؟ هل من قانون الهي يسمح بمثل هذه الاعمال والتصرفات التي لا يبررها سوى رغبة النظام السوري في الانتقام من لبنان والدعم الاسرائيلي الواضح لهذا التوجه؟
لعل اهم ما في تقرير فينوغراد توقيت صدوره. انتظرت اسرائيل التقرير سنة ونصف سنة. كانت تلك المدة اكثر من كافية كي تتمكن حكومة ايهود اولمرت من امتصاص النتائج. بات في استطاعة اولمرت القول ان الاقتصاد الاسرائيلي حقق تقدما كبيرا في الاشهر التي تلت توقف القتال مع لبنان. والاهم من ذلك، يتبجح رئيس الوزراء بأن الجليل لم ينعم يوما بهدوء شبيه بالذي ينعم به هذه الايام نتيجة التوصل الى القرار الرقم 1701 الذي تعززت بموجبه القوة الدولية في جنوب لبنان. هذا القرار الذي اتاح للجيش اللبناني العودة مجددا الى جنوب لبنان بعد غياب استمر ثلاثين عاما بسبب المنظمات الفلسطينية في مرحلة معينة والاحتلال الاسرائيلي في مرحلة لاحقة والوجود العسكري لـ"حزب الله" في مرحلة اخيرة استمرت حتى صيف العام 2006.
استوعبت اسرائيل تقرير فينوغراد الذي يحتفل به "حزب الله" وكأنه شكل انتصارا مبينا له على العدو. انها مأساة ليس بعدها مأساة ان لا يدرك الحزب بأنه صمد ولم ينتصر وأن انتصاره الحقيقي يكون على الذات اولا وذلك تكريما لشهدائه. والواقع ان تكريم هؤلاء الشهداء الذين استبسلوا في قتال العدو والذين لا يمكن لاي لبناني سوى الانحناء امامهم، لا يكون بتوجيه السلاح الى اللبنانيين والى الداخل اللبناني. من يعتبر نفسه منتصرا حقيقيا لا يقدم على تهديد اللبنانيين الاخرين ولا يستولي على ارزاق الاخرين وسط بيروت ولا يمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية ولا يغلق قبل ذلك مجلس النواب. المنتصر فعلا لا يفتعل احداث الثالث والعشرين والخامس والعشرين من كانون الثاني 2007 ثم يتراجع بعدما خذل الشارع المسيحي ميشال عون وبعدما تبين ان النظام الايراني لا يرى مصلحة له في فتنة شيعية ـ سنية في لبنان. من يعتبر نفسه منتصرا لا يهدد اللبنانيين ويتوعدهم بل يفكر في كيفية المساعدة في الخروج من المحنة التي يمر فيها لبنان بدل العمل على استغلال المحنة لتغطية جرائم النظام السوري وتمكينه من ممارسة سياسة الابتزاز التي لا يتقن غيرها مع العرب الاخرين الذين يمثلهم الامين العام لجامعة الدول العربية ومع المجتمع الدولي.
أخيرا، من يعتبر نفسه منتصرا لا ينتقم من الجيش اللبناني، بسبب انتصاره في مخيم نهر البارد على عصابة شاكر العبسي السورية، عن طريق افتعال احداث "الاحد الاسود" على خط التماس القديم بين الشياح وعين الرمانة. للمرة الالف، من يعتبر نفسه منتصرا فعلا لا يتصرف على ارض الواقع من منطلق ان الانتصار على لبنان بديل من الانتصار على اسرائيل...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00