8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

رسالة سورية مرتبطة بالمحكمة الدولية

جاء اغتيال النقيب في قوى الامن الداخلي وسام عيد ومرافقه للتأكيد ان لبنان لن يرتاح في حال متابعة التحقيق في الجريمة الكبرى المتمثلة في تفجير موكب الشهيد رفيق الحريري رئيس الوزراء السابق في الرابع عشر من شباط 2005. فحوى الرسالة ان على الوطن الصغير التخلي عن المحكمة الدولية، وقد اغتيل النقيب وسام عيد لأنه لعب دورا في التحقيق الذي ستستند اليه المحكمة الدولية. كل ما يحصل في لبنان حاليا يدور على المحكمة الدولية أولا وأخيرا. ثمة من نسي ذلك. جاءت الجريمة الأخيرة لتذكير الذين نسوا بأن عليهم وضع المحكمة الدولية نصب أعينهم في كل دقيقة وفي كل يوم. في حال التخلي عن المحكمة الدولية، يصير كل شيا ممكنا، بما في ذلك انتخاب رئيس جديد للجمهورية والسماح له بتشكيل الحكومة التي يريد، او حتى السماح لرئيس مجلس الوزراء الذي تختاره الاكثرية بأن يختار من يشاء من الوزراء بغض النظر عما اذا كانوا معادين للنظام السوري او موالين له. المهم التخلص من المحكمة الدولية...
من هو النقيب ـ المهندس الشهيد وسام عيد ابن الواحد وثلاثين عاما كي تبذل كل هذه الجهود وتوظف كل هذه الامكانات لاغتياله عن طريق سيارة مفخخة تكفي زنة المتفجرات فيها لتدمير موكب للسيارات بكامله؟ قبل كل شيء، كان الضابط الشاب منحازا للبنان. كان يمتلك ما يكفي من الشجاعة والعلم للمساعدة في كشف خفايا الجرائم التي حصلت في لبنان بداء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حماده وانتهاء بتفجير النائب انطوان غانم مرورا بكل الجرائم الاخرى من اغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما الى اغتيال نائب بيروت وليد عيدو مع نجله. لقد لعب وسام عيد دورا في اثبات ان كل الجرائم والتفجيرات مترابطة. وهذا ما اكده المحقق الدولي في قضية اغتيال رفيق الحريري سيرج براميرتس في تقريره الأخير. بالنسبة الى الذين يقفون وراء مسلسل الجرائم والتفجيرات، يبدو اغتيال الضابط اللبناني الشاب اكثر من طبيعي خصوصا انه خبير في التكنولوجيا والمعلوماتية وفي تحليل الاتصالات. انه مهندس في الكومبيوتر قبل ان يكون ضابطا، ولا يخفى على أحد ان تحليل الاتصالات لعب دورا أساسيا في بدء كشف هوية المجرمين وتحديد الجهة التي ينتمون اليها. من يقرأ تقارير المحققين الدوليين في قضية اغتيال الحريري المقدمة الى مجلس الامن، يكتشف ان ثمة ما يربط بينها على الرغم من الاختلاف في طريقة عمل الرجلين وهما الالماني ديتليف ميليس والبلجيكي سيرج براميرتس.
جاء اغتيال الضابط اللبناني كي يفهم كل من يعنيه الأمر ان لبنان مقبل على احداث كبيرة ما دام المجتمع الدولي يصرّ على متابعة التحقيق الدولي. السؤال الان ليس كيف سيرد العرب على ما يشهده لبنان من احداث وما اذا كانوا سيقنعون النظام السوري بأن عليه رفع يده عن لبنان كي تأخذ اللعبة الديموقراطية المستندة الى الدستور مجراها الطبيعي؟ لن يستطيع العرب عمل أي شيء. وفّرت الزيارة الاخيرة التي قام بها لدمشق السيد عمرو موسى الامين العام لجامعة الدول العربية دليلا على ان لا وجود لرغبة سورية في وقف التدخل في لبنان. ان قول السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري ان على العرب مساعدة اللبنانيين في التوصل الى تفاهم في ما بينهم خير دليل على ان دمشق واثقة من ان لا أمل في توصل اللبنانيين الى مثل هذا التفاهم . في ظل الظروف الراهنة، مثل هذا التفاهم ليس واردا في أي شكل، خصوصا ان النظام السوري لا يزال يعتقد ان في استطاعته تغيير التوازنات الداخلية في البلد وتحويل الأكثرية النيابية الى أقلية.
في ظل هذه المعطيات، لا امل في الرهان على العرب لتحقيق أي تقدم في لبنان، خصوصا ان لا وجود لرغبة لدى المجلس الوزاري العربي في تسمية الاشياء باسماءها والقول ان التفسير العربي للمبادرة التي حملها الامين العام للجامعة واضح كل الوضوح ولا حاجة بالتالي لا الى تفسير سوري ولا الى تفسير ايراني ما دام عمرو موسى يتقن اللغة العربية اكثر بكثير من نواب "حزب الله" التابع مباشرة لـ"الحرس الثوري" الايراني باعتباره جزءاً لا يتجزأ منه.
نعم، ان لبنان مقبل على أحداث كبيرة، بغض النظر عما اذا كان النظام السوري سيناور ويسمح في الاسابيع المفبلة بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية كي يضمن انعقاد القمة العربية في دمشق. انه يعرف جيدا ان القمة لن تنعقد في دمشق في حال لم ينتخب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية. وانعقاد القمة في العاصمة السورية مهم بالنسبة اليه اكثر بكثير مما يُعتقد.
في حال كان لا بد من استخلاص بعض النتائج من الاحداث الاخيرة التي شهدها لبنان، على رأسها اغتيال النقيب وسام عيد، فان أقل ما يمكن قوله ان المعركة الحقيقية هي معركة المحكمة الدولية. الواضح ان النظام السوري السوري على استعداد للذهاب بعيدا جدا في تأكيده للعالم وللعرب ان ليس في استطاعته القبول بالمحكمة وان مستقبل لبنان ومصيره مرتبطان عضويا بها. الثابت ان العرب على استعداد لأخذ الرسالة بالاعتبار. ولهذا السبب، لن يذهبوا بعيدا في اتخاذ موقف من النظام السوري. ولكن ماذا عن المجتمع الدولي؟ ألم يكن ملفتا ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تحدث عن المحكمة الدولية وعن استعداد بلاده لدعمها عندما اعلن من القاهرة قبل نحو اربعة اسابيع عن وقف الاتصالات مع دمشق؟ في كل الاحوال، المعركة تبدو طويلة. والاهم من ذلك، ان النظام السوري المدعوم إيرانيا والمغطى داخليا من "حزب الله" وأدواته، يشعر ان في استطاعته ارتكاب مزيد من الجرائم... ما دامت الادارة الاميركية الحالية منشغلة كليا في سنتها الاخيرة في قضايا داخلية ابرزها الوضع الاقتصادي وأزمة المصارف الناجمة عن ديون اصحاب المنازل والشقق في كل انحاء البلد!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00