8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إميل لحود .. أو سقوط قناع!

لم يكن إميل لحود الذي أنهى ولايته بخطاب لا علاقة له بالحقيقة والواقع من قريب أو بعيد سوى في مستوى إميل لحود. كان في مستوى كل ما له علاقة بالصغائر وكل ما له علاقة بتحوير الحقائق التي لا تمت بصلة للقيم اللبنانية من أي نوع كان. على الصعيد العملي، لم يستطع الرئيس اللبناني المنتهية ولايته تبرير الجرائم المرتكبة في عهده سوى بقوله أنه حقق انجازات كبيرة محذراً في الوقت ذاته من توطين الفلسطينيين في لبنان، وكأن المتاجرة بالتوطين يمكن أن تغطي جرائم عهده الميمون جدّاً.
في أي حال، إذا كان هناك توطين للفلسطينيين في لبنان يوماً، فإن ذلك عائد إلى إميل لحود والمدرسة التي ينتمي إليها. إنها المدرسة السورية التي عملت ولا تزال تعمل من أجل استمرار حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة والتي لا تصب سوى في مصلحة إسرائيل وفي خدمة توفير الوقت اللازم للاحتلال كي يخلق وقائع جديدة على الأرض ليس إلاّ...
بعيداً عن الكلام الجميل عن محاربة إسرائيل. والأكيد أن إميل لحود لا يفهم شيئاً في هذا الموضوع باستثناء أنه يخدم إسرائيل من حيث يدري أو لا يدري، وهذا لا يتعارض في أي شكل مع أن يكون عميلا سوريا، يخدم خطة لا هدف لها سوى الانتهاء من لبنان، لا بد من الاعتراف بأن الرئيس اللبناني المنتهية ولايته لم يجد لبنانياً يدافع عنه سوى الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله. ليس مستغرباً أن يدافع نصرالله عن إميل لحود الذي عمل كل ما يستطيع من أجل تبرير وجود جزر أمنية في لبنان بما يتعارض كل التعارض مع السيادة اللبنانية وبما يخدم أن يكون لبنان مجرد "ساحة" تستخدمها إيران من أجل إثبات أنها القوة الأقليمية التي لا يمكن تجاوزها في أي صفقة ذات طابع أقليمي أكان ذلك مع أميركا أو مع إسرائيل. ما هم إميل لحود إذا كان لبنان جزءاً من هذه الصفقة أو أن هذه الصفقة ستكون على حساب الوطن الصغير الذي أنجبه؟
المطلوب بكل بساطة الحاق لبنان بالمحور الإيراني ـ السوري لا أكثر. كرس إميل لحود ولايته لتحقيق هذا الهدف. وهذا ما حمل الرئيس بشار الأسد على التمديد لإميل لحود كي يبقى على رأس الدولة اللبنانية طوال تسعة أعوام على الرغم من معرفته التامة بالمخاطر التي يمكن أن تترتب على هذا التمديد. هذه المخاطر لم تنل من لبنان فحسب، بل نالت من سوريا أيضاً. على الرغم من ذلك، ومع معرفته المسبقة بحجم المخاطر، بما في ذلك صدور القرار الرقم 1559 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فضّل الرئيس السوري التمديد لإميل لحود بعدما اكتشف أنه لا يستطيع أن يجد مثيلاً له في لبنان. حتى ميشال إده، والذين يشرفون الآن على تلقينه التعليمات السورية بملعقة صغيرة، لا يستطيع أن يكون في المستوى الذي بلغه إميل لحود الذي نذر السنوات العشرين الأخيرة من حياته في خدمة كل ما له علاقة بضرب السيادة اللبنانية.
لا يستطيع أي عربي صادق مع نفسه أن يقف في وجه أي مشروع وحدوي في المنطقة. ولكن أن يكون لبنان ملحقاً بالنظام السوري عيب كبير وجريمة في حق كل ما له علاقة بالحضارة. أن الأمر بمثابة الحاق برلين الغربية ببرلين الشرقية. لا عيب في وحدة بين لبنان وسوريا أو بين أي بلدين عربيين في ظل شروط متكافئة وعندما لا يكون الأمر متعلقاً بنظام أمني يريد الاستيلاء على بلد آخر بالقوة من أجل سلب خيراته عن طريق ضباط متخلفين من نوع إميل لحود ومن هم على شكله وشاكلته من سوريين ولبنانيين انتهى معظمهم، أو سينتهون قريباً في السجن. وليس مستبعداً أن ينضم إميل لحود قريباً إلى هذه المجموعة من الضباط التي عملت بإمرته... أو كان في أمرتها.
في النهاية، يستطيع إميل لحود الذهاب إلى منزله آمناً مطمئناً، لمرحلة قصيرة، هذا إذا اقتنع بأنه أدى الدور الذي رُسم له وأنه ليس مطلوباً منه ارتكاب المزيد . في يوم ما سيطلب من الرجل نزع القناع الذي وضعه على وجهه. سيسأل عن تغطيته لجريمة اغتيال رفيق الحريري العربي الحقيقي الذي عمل من أجل لبنان ومن أجل اعادة الحياة إلى لبنان. سيسأل إميل لحود عن سبب حقده على رفيق الحريري وعن الأسباب التي دفعته إلى طلب ازالة معالم الجريمة وفتح الطريق أمام فندق السان جورج بعد ساعات من اغتيال رفيق الحريري. هل كان رفض الأوامر التي أعطاها وراء ادعائه الآن بأنه أول من طالب بإجراء تحقيق دولي في اغتيال رفيق الحريري؟ فجأة صار إميل لحود مع التحقيق الدولي بعدما كان يدفع في اتجاه ازالة معالم الجريمة وفتح الطريق وكأن شيئاً لم يكن... كأن رفيق الحريري ضحية حادث سير!
ستظل جريمة اغتيال رفيق الحريري تلاحق إميل لحود. ستلاحقه إلى قبره. من يقول في خطاب الوداع أن لبنان كان، بشهادة الأنتربول، البلد الأكثر أمانا على الأرض قبل اغتيال رفيق الحريري، لا يستطيع الإدعاء أنه لا يعرف شيئاً عن الجريمة، خصوصاً أنه كان عضواً أساسياً في التركيبة الأمنية المسيطرة على البلد والمتحكمة به وقتذاك، بل الغطاء الشرعي للتركيبة والواجهة الضاحكة للجريمة والمجرم!
لم يكن إميل لحود سوى واجهة لمجموعة أرادت التخلص من رفيق الحريري، لأنها أرادت التخلص من لبنان لا أكثر ولا أقل. الرجل ليس سوى قناع. عاجلاً أم آجلاً سيسقط القناع وستسقط معه تلك الضحكة البلهاء. منذ متى تصلح ضحكة بلهاء لتغطية جريمة وجرائم أخرى تلتها وسبقتها!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00