من المهم أن تؤكد الرئاسة الفلسطينية للاميركيين وللجانب الاسرائيلي أنها لا تقبل بأقل من إطار للتسوية يتضمن جدولا زمنيا واضحا ومحددا بدل إعلان للمبادئ يتسم بالغموض يؤدي إلى جرجرة المفاوضات، أي مفاوضات إلى ما لا نهاية. لا بد من إطار للتسوية يضع جدولا زمنيا لانتهاء الاحتلال ولتحقيق الهدف الفلسطيني الممكن والمتمثل في إقامة دولة مستقلة. ولذلك لا معنى لاي حديث عن مصالحة فلسطينية ـ فلسطينية من دون مضمون واضح. يتمثل المضمون في أن يكون الفلسطينيون تحت غطاء ثلاث شرعيات يحتمون بها في خضم الصراع الذي يخوضونه منذ ما يزيد على تسعة عقود، منذ ما قبل صدور وعد بلفور في العام 1917 من القرن الماضي. يحتاج الفلسطينيون إلى الشرعيات الثلاث من أجل تحقيق هدفهم المعلن المتمثل في إقامة الدولة المستقلة في الضفة الغربية وغزة عاصمتها القدس الشرقية، دولة يمارس عبرها الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة مثله مثل أي شعب في المنطقة. في حال لديهم مشروع آخر تسمح به التوازنات الاقليمية والدولية، ليعلنوا ذلك بدل الاختباء خلف الكلام الفارغ الذي يخدم الاحتلال الصادر عن أشخاص مثل أحمد يوسف، مستشار السيد اسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني في إمارة غزة، عنانسحاب إسرائيلي إلى حدود العام 1967 في مقابل "هدنة طويلة".
من دون الدولة المستقلة، سيظل الشعب الفلسطيني وقودا يستخدم في صراعات إقليمية لا علاقة له بها وغير قادر على إدانتها في الوقت ذاته. على سبيل المثال ما الفائدة التي يمكن أن يجنيها الشعب الفلسطيني من استخدامه وقودا في حرب مخيم نهر البارد في شمال لبنان والتي يقف خلفها النظام السوري الذي كان وراء إرسال عصابة "فتح الاسلام" إلى المخيم وإطلاق هذه التسمية المسيئة لكل ما هو فلسطيني على عصابة لا علاقة لها لا بـ"فتح" ولا بالاسلام، على عصابة إرهابية بكل معنى الكلمة؟ تبدو المتاجرة بالقضية الفلسطينية مرشحة لان تستمر طويلا ما لم يحزم الفلسطينيون أمرهم ويلملموا أوضاعهم الداخلية بغض النظر عما إذا كانت التسوية شبه المعقولة والمقبولة في متناول اليد أم لا.
ما هي الشرعيات الثلاث التي يفترض أن تبقى في ذهن كل فلسطيني يريد التعاطي مع الواقع بدل العيش في الاوهام؟ هناك قبل كل شيء القرارات والاتفاقات التي وافقت عليها منظمة التحرير الفلسطينية والتي سمحت للفلسطينيين باستعادة أرض للمرة الاولى في تاريخهم. وهناك ثانيا القرارات الصادرة عن القمم العربية والتي تركز على احترام الشرعية الدولية. وهناك ثالثا وأخيرا قرارات الشرعية الدولية نفسها على رأسها القرار 242 الذي صدر عن مجلس الامن في أعقاب حرب 1967 والذي في أساسه مبدأ الارض في مقابل السلام.
هل في الامكان التوصل إلى تسوية في إطار الشرعيات الثلاث؟ هذا هو السؤال المركزي المطروح حاليا في وقت يبدو أن إدارة بوش الابن تضغط في اتجاه انجاح المؤتمر الدولي الذي دعت إلى عقده في الخريف المقبل.
ليس سرّا أن الجانب الفلسطيني ضعيف. زاد ضعفه بعد سيطرة "حماس" على غزة بالقوة ورفضها الاعتراف بأن ما فعلته كان هزيمة أخرى تلحق بالشعب الفلسطيني. لا تشبه الهزيمة الجديدة سوى تلك التي عانى منها الفلسطينيون بعد فشلهم الذريع في إدارة شؤون القطاع وتحويله إلى منطقة آمنة ونواة لدولة مستقلة بعد الانسحاب الاسرائيلي من جانب واحد من القطاع قبل عامين. هل تتراجع "حماس" عن الخطأ الذي ارتكبته وتعود إلى كنف الشرعية الفلسطينية معترفة بأن ما فعلته في غزة كان احتلالا من نوع آخر، حل فيه الفكر المتخلف على كل الصعد مكان الاحتلال. هل تعترف بأن فكرها المتخلف استمرار للاحتلال وأن لا مستقبل للقضية الفلسطينية من دون القبول بالشرعيات الثلاث، شرعية منظمة التحرير والشرعية العربية والشرعية الدولية؟
باختصار شديد، أن الفلسطينيين أمام خيارين لا ثالث لهما. أما استمرار الوضع الراهن الذي لا يخدم سوى الاحتلال وأما حصول تغيير جذري يقود إلى عودة غزة إلى حضن الشرعية الفلسطينية بما يمكن هذه الشرعية من الدخول في مفاوضات جدية مع اسرائيل في حال كان هناك مجال لمثل هذه المفاوضات. في كل الاحوال لن يخسر الفلسطينيون شيئا من تراجع "حماس" عن الخطأ الذي ارتكبته بما في ذلك الاعتقاد بأن في الامكان السيطرة على غزة عبر ميليشيا معروف جيدا من يقف وراء إنشائها اسمها "القوة التنفيذية". يربح الفلسطينيون اذا أعدوا أنفسهم للمفاوضات ويربحون أيضا من وضع أنفسهم في ظل الشرعيات الثلاث وتحت غطائها، خصوصا أن ليس ما يضمن نجاح المؤتمر الدولي الذي دعت له إدارة ضعيفة هي إدارة بوش الابن.
في أسوأ الاحوال، يستطيع الجانب الفلسطيني متى وضع نفسه تحت الشرعيات الثلاث القول إنه مستعد للسلام وأن المشكلة عند اسرائيل وليست عنده. سيمكنه ذلك من ممارسة لعبة الانتظار التي لا ضرر منها وتدبر أموره بالتي هي أحسن في انتظار اقتناع اسرائيل بأن هناك شريكا فلسطينيا يمكن التفاوض معه. من دون تراجع "حماس" عن موقفها الرافض للشرعيات الثلاث، يبدو السيناريو المتوقع مخيفا. إنه سيناريو مخيف لسببين الاول أن السلطة الوطنية في رام الله على استعداد للذهاب بعيدا في عملية البحث عن تسوية ما. أما السبب الاخر فهو أنه حتى لو فشلت التسوية، سيكون مستقبل مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة أسود. سيبقى القطاع معزولا عن الضفة وسيبقى تحت رحمة أسرائيل القادرة على تحويله إلى سجن كبير محروم حتى من نعمة الكهرباء ... التي مصدرها الدولة اليهودية وليس أي مصدر آخر.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.