8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل يتغيّر السلوك السوري في لبنان بعد قمّة الرياض؟

أظهرت قمّة الرياض بما لا يترك مجالاً للشك أن الرئيس بشّار الأسد استطاع، أقلّه ظاهراً، فك العزلة شبه التامة التي يعاني منها نظامه منذ ما يزيد على سنتين أي منذ أغتيال الرئيس رفيق الحريري رمز العروبة الصادقة والحقيقية وليس عروبة الشعارات التي تخدم في النهاية إسرائيل وتصبّ في خدمة سياساتها. لماذا ظاهراً؟ لسبب في غاية البساطة يتمثّل في أن النظام السوري لن يكون قادراً على أستكمال أعادة تأهيل نفسه إلاّ إذا نفّذ ما هو مطلوب منه في لبنان قبل أيّ مكان آخر. وبكلام أوضح، ليس وارداً أن تكون هناك صفقة على حساب لبنان لا عربياً ولا دولياً، أي أن ليس كافياً أن يكون النظام في دمشق على استعداد لتقديم تنازلات في العراق أو فلسطين كي يستعيد المبادرة في لبنان. حتى لو سمح العرب بذلك، ويبدو أنّهم لن يسمحوا، فإنّ الأسرة الدولية لا يمكن أن تتراجع عن موقفها القاضي برفض العودة السورية الى لبنان.
هناك صفحة طويت. صفحة الصفقات التي ضحيّتها لبنان على غرار ما حصل في العام 1976 والعام 1990 عندما أعطت الولايات المتّحدة سوريا تفويضاً يسمح لها ببسط نفوذها في لبنان. في بداية العام 1976، فكّر وزير الخارجية الأميركي الدكتور هنري كيسينجر طويلاً، بعدما أكتشف أنّ الحرب اللبنانية التي اندلعت في الثالث عشر من نيسان/ أبريل 1975 يمكن أن تتحوّل الى نزاع اقليمي، في وقت كان يركزّ على تطوير اتفاقات فك الاشتباك التي وقّعتها إسرائيل مع كلّ من سوريا ومصر برعايته وبفضل جهوده. وتوصّل كيسينجر الى أن أفضل ما يمكن عمله لاستيعاب الوضع اللبناني، السماح للجيش السوري بالانتشار في كلّ الأراضي اللبنانية بغية "وضع يده" على منظمة التحرير الفلسطينية وقوات الفصائل الفلسطينية المختلفة الموجودة في لبنان. لم ينتشر الجيش السوري في كلّ لبنان كما كان يشتهي وزير الخارجية الأميركي الذي هندس اتفاق فك الاشتباك في الجولان في العام 1974. يعود سبب ذلك الى "الخطوط الحمر" التي وضعتها إسرائيل والتزمتها الإدارة الأميركية ودمشق في آن. وقضت "الخطوط الحمر" الإسرائيلية بإبقاء الجنوب اللبناني فالتاً ومرتعاً للمسلّحين الفلسطينيين. وأبلغ الإسرائيليون كيسينجر بالحرف الواحد أنهم "في حاجة بين الحين والآخر الى مناوشات مع الفلسطينيين". معنى هذا الكلام أن إسرائيل رفضت دائماً وجود جيش نظامي في جنوب لبنان وأنها سعت دائماً الى أن تكون المنطقة خارج سلطة الشرعية اللبنانية أو أي سلطة شرعية أخرى. وربما كان ذلك ما يفسّر الرفض المستمرّ للرئيس أميل لحود لإرسال الجيش اللبناني الى الجنوب حتّى بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي في العام 2000 تنفيذاً للقرار الرقم 425. وهو رفض لم تعد له قيمة منذ صدور القرار 1701.
في العام 1990، حصل الرئيس الراحل حافظ الأسد على تفويض أميركي جديد في لبنان بعدما انضم الى التحالف الدولي وأرسل جيشه ليحارب مع الجيش الأميركي من أجل تحرير الكويت من الاحتلال العراقي. وساعد الأسد في وضع يده على كلّ لبنان، بما في ذلك قصر الرئاسة في بعبدا ووزارة الدفاع في اليرزة، عبقرية "الجنرال" ميشال عون المتمرّد وقتذاك على الشرعية ممثلّة بالرئيس الشرعي الشهيد رينيه معوّض الذي كان بقاؤه خارج قصر الرئاسة سبباً سهّل على الأجهزة السورية اغتياله.
لا شكّ أن الرئيس السوري الحالي يستعيد حالياً الظروف التي سمحت للنظام في بلاده في إخضاع لبنان، ولذلك لا بدّ من التعاطي بحذر شديد مع خطواته المقبلة. هل سيعتقد أن استقباله في القمّة بالطريقة التي استقبل بها والانفتاح عليه سيسمحان له بالحصول على ضوء أخضر من العرب في لبنان، أم سيفكّر مليّاً في الأمر ويعتبر أن العرب، عموماً، إنما أرادوا التأكيد له أنّهم على أستعداد لإعادة تأهيل نظامه في حال غيّر سلوكه؟.
في كلّ الأحوال لن يمرّ وقت طويل قبل اكتشاف ما إذا كان بشّار الأسد سيلتقط الفرصة الجديدة التي أتاحتها له قمّة الرياض. سيظهر ذلك من خلال حلفائه، مثل "حزب الله" وأدواته اللبنانية من ميشال عون، الى وئام وهّاب، الى سليمان فرنجية... الى سليم الحصّ ومن لفّ لفّه من الحاقدين!
موعد الامتحان قريب. مواضيع الامتحان معروفة: من الموقف من الحكومة الشرعية، الى المحكمة ذات الطابع الدولي، الى العلاقات الديبلوماسية بين بيروت ودمشق، الى ترسيم الحدود، الى الإقرار بلبنانية مزارع شبعا والتوقف عن المتاجرة بها، الى الكف عن تهريب السلاح والمسلّحين الى الأراضي اللبنانية، الى التخلّي عن كلّ ما من شأنه إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والتحريض على اللبنانيين الشرفاء الذين يشرّفون العروبة ويرفضون المذهبية والأحزاب المذهبية التي لا تخدم في النهاية سوى الاستراتيجية الإسرائيلية في المدى الطويل.
لائحة مواضيع الامتحان طويلة جدّاً وهي إن دلّت على شيء، فإنّها تدلّ على أن في استطاعة النظام السوري إظهار نياته الحسنة تجاه لبنان بكلّ سهولة في حال اختار البدء بأحدها كي يقول إنّه تغيّر وإنّه على أستعداد للقبول بلبنان المستقل السيد الحر المزدهر الذي هو في واقع الحال أفضل خدمة لسوريا ولشعبها... هذا حين يتخلّى النظام فيها عن أوهامه.
ثمة من يردّ على هذا الكلام بأنّ التفاؤل بتغيير في سلوك النظام السوري تجاه لبنان ليس في محلّه. لماذا؟ لأن الكلمة الأخيرة في شأن لبنان في طهران وليس في دمشق... وأن تصرف بشّار الأسد في الرياض لم يكن سوى تمرين في العلاقات العامة. ما هي إلا أيام ويعود كلّ شيء على حاله. لا تغيير في السلوك السوري تجاه لبنان! ما هي إلاّ أيام قبل أن نرى من على حق...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00