8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

كما في العراق.. كذلك في لبنان وفلسطين!

فجّر الارهابيون سوق المتنبي، سوق الكتب في بغداد. حوّلوا الحبر الى دمّ في عاصمة العراق التي كانت الى ما قبل فترة قصيرة مدينة تسعى الى التواصل مع تاريخها العريق واستعادته. كانت تطمح الى ذلك بعد التخلّص من نظام عائلي­ بعثي مكّن ثقافة الريف ذات الطابع البدائي من اجتياح المدينة. واضح ان المطلوب الان، بعد الاحتلال الاميركي لبلد عربي،سابقاً، تجاوز اغتيال الانسان الى اغتيال كل ما هو حضاري في العراق. المطلوب أولاً تدمير المدينة التي صمدت في وجه هولاكو واستعادت دورها التاريخي قبل أن يجتاحها الظلم والظلام والظلامية ابتداء من يوم الرابع عشر من تموز/ يوليو 1958 عندما وُجد من يُسقط الحكم الملكي الذي كان رمزاً للعراق الحديث والديموقراطي القادر على التطوّر على كلّ الصعد والقادر قبل أيّ شيء آخر على أن يكون على تماس مع العالم ومع كلّ ما هو حضاريّ فيه.
لم يعد مسموحاً أن يكون هناك كتاب له شأن وقيمة في العراق. بات مطلوباً ان يكون العراق مرتعاً للميليشيات المذهبية التابعة للاحزاب الشيعية الكبرى من جهة وللارهاب الذي تمارسه تنظيمات سنّية متطرّفة من جهة أخرى، تنظيمات تعتبر ارهابيا من نوع أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري مثلها الاعلى...
كلّ شيء يسير الى خلف في العراق. كان الامل بأن يؤدي اسقاط نظام صدّام حسين الى قيام نظام ديموقراطي محوره الانسان والثقافة الحقيقية ذات الطابع العالمي، الى أن تبيّن أنّ في الامكان الان الترحّم على نظام "المقابر الجماعية" الذي حصر همّه في نقل العراقيين من كارثة الى أخرى. حتى الكتاب، لم يعد مسموحاً به في العراق. كلّ ما هو مسموح به أن تتفلّت الغرائز البدائية من عقالها وأن لا يكون هناك مكان سوى لتجمّعات سكانية متجانسة مذهبياً لا متسّع فيها سوى لرأي واحد يغلب عليه الغلوّ في التعصب تجاه الاخر.
هذا الكابوس لم يعد محصوراً بالعراق. انتقل الى لبنان وفلسطين أيضاً. كما في العراق، كذلك في لبنان وفلسطين.
يشهد لبنان حالياً محاولة لاعادته سنوات الى خلف عبر "حزب الله" الذي اختار استكمال الحرب الاسرائيلية على اللبنانيين وعلى عاصمتهم. تلك الحرب افتعلها الحزب عن سابق تصوّر وتصميم من أجل انقاذ النظام السوري من المحكمة ذات الطابع الدولي والسماح له باعادة وصايته على لبنان عن طريق تدمير السلطة الشرعية اللبنانية الممثّلة بالحكومة التي يرأسها فؤاد السنيورة والتي تحظى بدعم الشرفاء في لبنان، أي بأكثرية الشعب اللبناني بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعية الكريمة الذين هم في أساس التركيبة اللبنانية وأكثر اللبنانيين حماسة للبنان العربي الحرّ المستقلّ من نير المحور الايراني ـ السوري الذي يعتبرهم رهينة لديه. كان معرض الكتاب الذي تستضيفه بيروت كل سنة بين الضحايا التي تسبب بها التحرّك الاخير لـ"حزب الله" في اتجاه وسط المدينة. الهدف واضح كلّ الوضوح ما دام وسط بيروت يجمع بين اللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الاجتماعية. المطلوب أن يعود كل مواطن الى طائفته ومذهبه ومنطقته. تماماً كما يحصل في العراق. المطلوب الا يعود هناك تواصل بين اللبنانيين. المطلوب اغلاق بيروت والغاء المدينة وتسكيرها بالشمع الاحمر على غرار بغداد. ليس مسموحاً بأن تكون بيروت عاصمة للثقافة والكتاب. المسموح فقط، باسم محاربة الحكومة اللبنانية التي تحظى، الى اشعار آخر، بدعم المجتمع الدولي، أن تنشأ حواجز بين اللبنانيين، حواجز طائفية ومذهبية ومناطقية وأن يمتنع أي عربي أو أجنبي عن زيارة لبنان وعاصمته، أكان ذلك من أجل شراء كتاب أو من أجل أيّ شيء آخر...
انتقلت العدوى الى فلسطين أيضاً. الحليف السنّي للمحور الايراني ـ السوري، أي "حماس" يشنّ بدوره حملة على الثقافة والكتاب. قررت الحركة التي تسيطر على الحكومة الحالية التي يرأسها السيّد أسماعيل هنية منع كتاب "قول يا طير" في المدارس الموجودة في قطاع غزّة. رأى وزير التربية، الحماسي جدّا في ما يبدو، أن الكتاب الذي يتضمن خمس وأربعين قصّة من التراث الشعبي الفلسطيني "مليء بالتعابير الجنسية". واعتبر، استناداً الى تقرير وضعته احدى اللجان" أنّ من الصعب علينا ابقاء كتاب من هذا النوع بين أيدي الطلاّب". صار التراث الشعبي خطراً على الطلاب في فلسطين. هذا ما يفترض أن تعترف به حركة مثل "حماس" تخاف الكتاب وتسعى عمليّاً الى انتاج أجيال جاهلة كي يسهل السيطرة عليها عبر ثقافة السذاجة التي تبثّها في الاراضي الفلسطينية. ربّما من حقّ "حماس" أن تفعل ذلك وان تحارب الكتاب من منطلق أنّه يهدد مستقبلها... هي التي تريد تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وليس تمكين الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه المشروعة.
من العراق، الى لبنان، الى فلسطين. العدو واحد إنّه الكتاب. في بغداد، دمّر الارهابيون سوق الكتاب. وفي بيروت، هناك من عمل على الغاء معرض الكتاب وسط بيروت وعمل على تعطيل الحياة في المدينة والبلد. وفي فلسطين، هناك من يحارب الكتاب، أي كتاب يمكن أن يذكّر بالتراث في المدارس التي ينشأ فيها الجيل الجديد ويتربّى على ما يفترض أن يكون ثقافة الانفتاح... ثقافة الحياة. انّها حرب على ثقافة الحياة أكان ذلك في العراق أو لبنان أو فلسطين. من قال ان المعركة في مواجهة الجهل والجهالة والجاهلية والتعصّب المذهبي والطائفي ليست واحدة؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00