أن تعرف كيف تخسر في السياسة والحرب، أهم بكثير من أن تعرف كيف تربح. وحده من يعرف كيف يخسر يمكن أن يربح يوماً. مشكلة "حزب الله" في لبنان تكمن في أنّه لا يعرف لا كيف يخسر ولا كيف يربح. لا يعرف ذلك بدليل أنّه عندما ربح، لم يوظف انتصاره في خدمة لبنان واللبنانيين، بل وظّفه في خدمة الذين تبيّن أنّه يعمل لديهم، أي النظام الإيراني، حيث مرجعيّته الأولى والأخيرة. وعندما خسر، حوّل خسارته إلى ربح لمن يعمل لديهم ولحسابهم... وهزيمة للبنان واللبنانيين، غير مدرك أنّه لا يمكن ألاّ أن يخرج خاسراً في المدى الطويل، لا لشيء سوى لأنّ لبنان هو الملجأ الأخيرلكلّ لبناني بغض النظر عن الطائفة أو المنطقة التي ينتمي إليها.
في العام 2000، انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان، وأقّرت الأمم المتحّدة بلسان الأمين العام للمنظّمة الدولية كوفي أنان وعبر مجلس الأمن، بأنها نفّذت القرار الرقم 425 الصادر في آذار ـ مارس من العام 1978. وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت الدولة اليهودية إلى الانسحاب وما إذا كان ذلك مرتبطاً باستراتيجيّة معيّنة تستهدف الانصراف إلى الشأن الفلسطيني وتركيز الاهتمام عليه في تلك المرحلة بالذات، أم لا، يبقى أن "حزب الله" سعى إلى توظيف انتصاره في غير مصلحة لبنان وذلك عن طريق إصراره على إيجاد أسباب واهية لعدم تمكين الجيش اللبناني من الوصول إلى "الخط الأزرق" تنفيذاً للرغبات السورية من جهة والاصرار الإيراني على أبقاء لبنان ينزف عن طريق جبهة الجنوب المفتوحة من جهة أخرى.
كان مطلوباً بكلّ وضوح وبمنتهى الوقاحة إبقاء لبنان بلد المواجهة الوحيد مع إسرائيل، كي يتمكّن النظام السوري من القول إن هناك ربطاً بين جنوب لبنان والجولان المحتل، الجولان الذي لم تطلق منه رصاصة منذ العام 1974. كان على لبنان تحمّل كل الأعباء خدمة للمحور الإيراني ـ السوري الذي صار أكثر من تحالف عضوي بين نظامين، بعدما استطاعت إيران بفضل "حزب الله" ملء الفراغ الأمني الذي خلّفه الانسحاب العسكري السوري من الأراضي اللبنانيّة في نيسان ـ أبريل من العام 2005. حصل ذلك، بعدما نزل سنّة لبنان إلى الشارع اثر استشهاد رفيق الحريري. منذ ذلك اليوم، صار النظام السوري و"حزب الله" حليفين، يلتقيان عند معلّم واحد هو النظام الإيراني. قبل ذلك، كان هناك توازن مختلف للقوى بين الحزب والنظام السوري لسببين على الأقلّ. الأوّل الوجود العسكري السوري في لبنان، والآخر عدم تحوّل دمشق إلى تابع للنظام الإيراني الطرف الوحيد القادر على تعويض وجودها العسكري المباشر في لبنان...
لم يحسن "حزب الله" الانتصار بعد تحرير الجنوب في العام 2000 ولم يُجد التعاطي مع الخسارة في العام 2006 حين وفّر كلّ المبرّرات لإسرائيل، كي تهاجم لبنان وتدمر ما تيسّر لها من بنيته التحتية وتهجّر عشرات الآلاف من بيوتهم وقراهم وبلداتهم. حوّل "حزب الله" الخسارة على لبنان. وتبيّن بوضوح أن تداعيات حرب الصيف ما زالت تتفاعل. وبدل أن يتعلّم "حزب الله" شيئاً من نتائج الحرب، إذا به يمارس عملية هروب إلى أمام تتمثّل بالتصعيد ولا شيء غير التصعيد حتى لو أدى ذلك إلى فتنة طائفية ومذهبية في البلد. ولكن ما همّ "حزب الله" ما دامت الفتنة الطائفية والمذهبيّة تخدم النظام السوري الذي يرفض العالم الدخول معه في أي مساومة في شأن المحكمة ذات الطابع الدولي في قضية اغتيال الرئيس الحريري، وما دامت الفتنة تخدم النظام الإيراني الذي يعتبر القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن موجّها ضدّه في المقام الأوّل؟
من أجل عرقلة المحكمة ذات الطابع الدولي ومن أجل ألاّ تكون هناك حكومة لبنانية تسعى إلى تنفيذ القرار 1701 بما يتلاءم ومصلحة لبنان، يبدو "حزب الله" على استعداد للذهاب بعيداً في التصعيد، أيّاً يكن الثمن الذي سيترتّب على لبنان. إنه حزب لا يهمّه ما إذا كان لبنان سيُذّمر نظراً إلى أن مصالحه مرتبطة بالخارج. لو لم يكن الأمر كذلك، لكان فكّر في آلاف العائلات المتضررة من إغلاق قلب بيروت وفي النتائج الكارثية التي يمكن أن تترتّب على الشحن الطائفي والمذهبي الذي لا يغطّيه الاتيان بيتامى الأجهزة السورية الجدد والقدامى لتوجيه خطابات في المعتصمين وسط بيروت. ولكن ما العمل مع حزب يعتبر أنّ ليس لديه ما يخسره عندما يحلّ الخراب بلبنان واللبنانيين ويضطر عشرات الآلاف إلى الهجرة والتشرّد؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.