ما الذي يستطيع النظام السوري عمله من أجل الخروج من أزمته العميقة المستحكمة بتصرّفاته منذ فترة طويلة سبقت جريمة العصر التي يُعتبر مسؤولاً عنها بطريقة أو بأخرى والمتمثلة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط ـ فبراير 2005؟ الواضح أن النظام يجد نفسه مرّة أخرى أمام خيارين لا ثالث لهما. يتمثّل الاوّل في أمتلاك حدّ أدنى من الشجاعة تمكّنه من البحث عن حلول تمكّنه من تجاوز الازمة التي غرق فيها إلى ما فوق أذنيه والانصراف أوّلاً إلى معالجة المشاكل الحقيقية للشعب السوري المظلوم والاخر متابعة عملية الهروب إلى أمام عن طريق التصعيد في لبنان... أو فلسطين أو العراق.
لا يمكن تجاهل أن النظام السوري يزداد ميلاً إلى التصعيد لاسباب عدة في مقدّمها اعتقاده أن الوقت يعمل لمصلحته من جهة وأنّ المحكمة الدولية في قضية اغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما لا يمكن أن تواجه إلاّ بالعنت وخلق أوضاع معقّدة في لبنان من جهة أخرى. وفي حال أخذنا في الاعتبار التصريحات الصادرة عن حلفاء النظام السوري، مثل "حزب الله"، أو عملائه الصغار مثل هذا النائب السابق أو الوزير السابق أو ذاك، وحتى عن الاداة الجديدة ـ القديمة المسمّاة "الجنرال"، نجد قاسماً مشتركاً واحداً بين كلّ هذه الاطراف والجهات. يتمثّل القاسم المشترك في الرغبة في تعطيل المحكمة الدولية عبر التخلص من الغطاء الشرعي الذي توفّره لها الحكومة اللبنانية. تحاول دمشق عبر تركيز ضغطها على الحكومة إظهار لبنان وكأنّ المحكمة الدولية فرضت عليه فرضاً. نسي النظام السوري أمراً في غاية الاهمية هو أن المحكمة ذات الطابع الدولي موضوع من اختصاص مجلس الامن وصلاحيّاته إلى أشعار آخر، وأنّ كلّ ما تستطيع الحكومة عمله تقديم التسهيلات المطلوبة للجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي البلجيكي سيرج براميرتس. وقد فعلت ذلك بشهادة التقرير الاخير الصادر عن لجنة التحقيق قبل شهر. وفي خطوة لاحقة، لن يكون أمام مجلس الوزراء اللبناني سوى الموافقة على نظام المحكمة المقدم إليه وعرضه على مجلس النواب. مثل هذه الخطوات اللبنانية ذات طابع شكلي أكثر من أيّ شيء آخر ما دام الموضوع مودعاً لدى مجلس الامن الذي يُعتبر أعلى سلطة دولية، كما أن قراراته تعلو على أيّ قوانين محلّية أو وطنيّة بغض النظر عما يقوله هذا المسؤول السوري أو ذاك في هذا الشأن.
عاجلاً أم آجلاً، سيتوجب على النظام السوري الاستجابة لما تطلبه منه المحكمة الدولية من منطلق أنّه كان المسؤول الاوّل عن الامن وعن كلّ شاردة وواردة في لبنان لدى وقوع جريمة العصر والجرائم الاخرى بدءاً بمحاولة اغتيال مروان حماده. وحتى بعد خروج القوّات السورية من الاراضي اللبنانية، وجدت لجنة التحقيق الدولية في تقريرها الاخير أن ثمة روابط بين التفجيرات والاغتيالات التي استهدفت الوطنيين اللبنانيين من جهة وجريمة اغتيال رفيق الجريري من جهة أخرى.
ما قد يزيد في ميل النظام السوري إلى التصعيد في لبنان شعوره بأن الادارة الاميركية قد تكون على استعداد للدخول معه في مساومات، خصوصاً في ضوء تطورات إقليمية طارئة على رأسها التدهور الذي يشهده العراق. فما دامت ورقة العراق، التي تمتلكها دمشق، ساهمت في جعل أصوات ترتفع في واشنطن داعية إلى البحث في مخرج للجيش الاميركي عن طريق الدخول في محادثات معها...ما الذي يمنع أن تبدأ إدارة بوش الابن في البحث في كيفية استرضاء النظام السوري في لبنان أيضا؟ ألم تبرهن دمشق بالملموس أنّها ممسكة بالوضع اللبناني وأنّها قادرة على تخريب البلد في أي لحظة، كما حصل في الصيف حين استكملت آلة الحرب الاسرائيلية ما بدأه النظام السوري في لبنان؟ هناك مسؤولية سورية ما عن اغتيال رفيق الحريري... وهناك رغبة إسرائيلية واضحة في القضاء على مشروع رفيق الحريري الحضاري ظهرت من خلال الحرب التي استهدفت البنية التحتيّة اللبنانية. ما الذي يمنع الادارة الاميركية من التعاطي مع هذا الواقع والاقرار أخيراً بأن من الافضل التخلي عن وهم لبنان السيّد الحر المستقل القادر على لعب دور طليعي في المنطقة؟ لماذا لا يستفيد النظام السوري من كون مثل هذا الدور يضايق إسرائيل تماماً كما يضايقه ولماذا لا تفهم واشنطن هذه المعادلة؟
الاكيد أن ثمّة رهاناً لدى النظام السوري على مثل هذه التطورات الطارئة. يدعم الرهان أن النظام الايراني متضرر أيضاً من الوضع اللبناني ومن احتمال نجاح القوة الدولية المعززة في إقفال جبهة الجنوب التي كانت في السنوات الاخيرة ورقة إيرانية ـ سورية لا أكثر ولا أقلّ... ما دام محظوراً على الجيش اللبناني دخول المنطقة لاسباب "وطنية". لماذا لا تستفيد دمشق إذا من الرغبة الايرانية في التصعيد في لبنان وهو ما ظهر جليّاً في الخطاب السياسي لمسؤولي "حزب الله"؟
هل الرهان السوري في محله؟ الارجح أن الامر ليس كذلك لسبب في غاية البساطة يتمثّل في أنّ المجتمع الدولي ممثّلاً بمجلس الامن التابع للامم المتّحدة الذي وافق على المحكمة الدولية يعتبر اغتيال رفيق الحريري خطأ في حجم خطأ الاجتياح العراقي للكويت. معروف جيّداً ماذا حصل بعد تلك الجريمة...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.