8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الموضوع موضوع النظام السوري وليس الحكومة اللبنانية!

لا بدّ من العودة إلى الحملة التي تتعرّض لها الحكومة اللبنانية وإلى نغمة التخلص منها في هذه المرحلة الدقيقة التي يمرّ فيها البلد. لا بدّ من العودة إلى ذلك من أجل التأكّد من أمر واحد يتمثّل في أهمية دور الحكومة في التصدي للذين يسعون إلى فرط البلد تنفيذاً للرغبات الاسرائيلية. يفعلون ذلك على الرغم من تشدّقهم بالعروبة في احيان كثيرة، علماً بأنّ كل ما يفعلونه يصبّ في نهاية المطاف في خدمة المشروع الاسرائيلي الهادف إلى شرذمة المنطقة.
أحسن رئيس مجلس الوزراء السيّد فؤاد السنيورة عندما أعاد تأكيد ما أعلنه رئيس كتلة تيار المستقبل النائب سعد الحريري عن أنّ الحكومة باقية. نعم الحكومة باقية لأنّها تمثّل لبنان ولأنّها خط الدفاع الأوّل عن لبنان في وجه الحملة العاتية التي يتعرض لها والتي تستهدف تقطيع أوصاله.
صمد لبنان بفضل الحكومة أوّلاً وواجه العدوان الاسرائيلي بعدما ألتفّ اللبنانيون على بعضهم بعضاً واضعين الوحدة الوطنية فوق أيّ أعتبار آخر. رفضوا الفكرة القائلة أن لا بدّ من محاسبة "حزب الله" على حساباته الخاطئة تاركين ذلك لما بعد أنتهاء العدوان الاسرائيلي.
هذا ليس وقت فتح دفاتر قديمة، على الرغم من أهميّتها الكبيرة، بمقدار ما أنّه وقت للتفكير في المستقبل وفي ما يجب عمله من أجل تفادي السقوط في الأفخاخ المنصوبة للبنان والتي لا هدف لها سوى اعادته إلى نظام الوصاية، أي إلى وضع البلد غير القادر على حكم نفسه بنفسه، بلد في حاجة مستمرة إلى من يرعى شؤونه وإلى أن يكون حكماً بين اللبنانيين وإلى التفريق بين أبنائه الذين لا يحسنون غير التقاتل في ما بينهم.
مرة أخرى، أحسن فؤاد السنيورة عندما أكدّ ما أعلنه سعد الحريري عن أن الحكومة باقية. والواضح أن هذا الكلام يندرج في السياق الطبيعي لتطوّر الأحداث في لبنان. فلبنان ليس في حاجة إلى حكومة جديدة لأنّ بشّار الأسد أصدر أمر عمليات في هذا الصدد. ولبنان لا يحتاج إلى حكومة جديدة لأنّ "حزب الله" غير قادر على أمتلاك الثلث المعطّل في الحكومة. ولبنان في غنى عن حكومة جديدة أرضاء لما يُسمّى "الجنرال" الذي لا يحلم سوى بالرئاسة ويستغرب كيف أنّه لم يصبح رئيساً خلفاً لأميل لحّود على الرغم من أنّه كان مستعدّاً لأن يكون "جنديّاً في جيش حافظ الأسد". وهذه هي العبارة التي دوّنها في سجل 7-7-كبار الزوّار7-7-،على الأرجح صغارهم، عندما زار دمشق في العام 1987 أثر تعيينه قائداً للجيش في السنة الأخيرة من عهد الرئيس أمين الجميّل. ولبنان ليس في حاجة إلى حكومة جديدة من أجل أن تعويم رئيس للجمهورية، يستحيل تعويمه، مُدّدت ولايته قسراً كي يشهد عهده الجديد المصطنع جريمة العصر المتمثّلة في أغتيال الشهيد رفيق الحريري، رمز لبنان العربي السيّد الحر المستقل. حصل ذلك بدل أن يستغلّ أميل لحود فرصة نهاية عهده كي يظهر أنّه رجل دولة يحترم الدستور ويرفض التمديد أو التجديد على غرار ما فعل فؤاد شهاب في العام 1964 محافظة منه على الدستور من جهة وعلى هويّة لبنان الديموقراطي والحضاري المختلفة عن الأنظمة الأستبدادية من جهة أخرى.
ولكن أبعد من ذلك كلّه، تعكس المحاولات الهادفة إلى التخلص من الحكومة والتي يشنّها بعض الصغار الصغار، الأزمة العميقة الستي يعيشها النظام السوري. هذه الأزمة بدأت عمليا بقرار التمديد لأميل لحود الذي أدّى إلى صدور القرار القم 1559 عن مجلس الأمن. ومنذ قرار التمديد الذي توّج حال الأفلاس التي يعيشها النظام، بدأت محاولات اصلاح الخطأ بخطأ أكبر منه. والأكيد أنّ أغتيال رفيق الحريري ورفاقه على رأسهم باسل فليحان، لم يغط على خطأ التمديد. على العكس من ذلك، توالت الأخطاء ووصل الوضع إلى ما هو عليه الآن. حتى الحرب الاسرائيلية على لبنان التي تسبب بها "حزب الله" لم توقف التحقيق في أغتيال رفيق الحريري. ولن توقفه في طبيعة الحال الحملات على الحكومة فيما المطلوب بكلّ بساطة تنفيذ القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة. يفرض هذا القرار على النظام السوري ما لا يستطيع القبول به، أي تنفيذ القرارات الأخرى التي صدرت في الأشهر الأخيرة بما فيها القرار الرقم 1680 المرتبط بترسيم الحدود وتبادل العلاقات الديبلوماسية مع لبنان والتوقف عن التدخل في شؤونه وتهريب الأسلحة إلى أراضيه.
الموضع ليس موضوع حكومة تعبّر إلى حدّ كبير عن القرار اللبناني المستقلّ الذي دفع رفيق الحريري ثمنه من دمه. الموضوع موضوع نظام يعتبر أن مستقبله ومصيره مرتبطان بابقاء وصايته على لبنان وتكريسه "ساحة" للمحور السوري ـ الأيراني. أيّ مستقبل لنظام يرفض التعاطي مع الواقع المتمثّل في أنّ العالم تغيّر. نظام يرفض أستيعاب أن من أدخله إلى لبنان في العام 1976 أخرجه منه في العام 2005 وأن عليه الأنصراف إلى معالجة أزمته المستعصية والاعتراف في الوقت ذاته بأن عملية الهرب المستمرّ إلى أمام لن تفيده في شيء. كلّ ما يمكن أن تؤدي أليه هذه العملية هو الغرق أكثر في الأزمة على طريقة ما حصل مع صدّام حسين الذي يبدو، أقلّه إلى الآن، المثل الأعلى لرجالات النظام السوري.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00