من حقّ الرئيس بشّار الأسد الإعلان بأنه المنتصر في الحرب الإسرائيلية على لبنان التي كانت تستهدف تدمير جزء من البنية التحتية اللبنانية وإعادة البلد سنوات الى خلف. إنّها حرب كشفت في الوقت ذاته القدرات المتواضعة التي لدى العرب على التأثير في الوضع اللبناني. بعبارات أوضح، أظهر بشّار أنّه لاعب حقيقي في لبنان وأن نفوذه لا يقارن بنفوذ العرب الآخرين الذين حاولوا العبور إلى لبنان من دون المرور بالبوّابة السورية. أكثر من ذلك، أظهر بشّار أنّ الفراغ الذي نجم عن خروج القوات السورية من البلد أُمكن تعويضه سوريّاً نظراً إلى أنّ "حزب الله" لا يزال يعمل في سياق واضح يتمثّل في الاستراتيجية السورية التي تُعتبر أمتداداً مباشراً للاستراتيجية الإيرانية لئلا نقول إنّها تابع لها.
من هذا المنطلق، يمكن فهم تشديد السيّد حسن نصرالله الأمين العام للحزب في خطابه الأوّل بعد التوصل إلى وقف النار على النصر "الاستراتيجي والتاريخي" الذي تحقّق. نعم إنّه لانتصارٌ تاريخيّ وكبير إذا أخذنا في الحسبان أن النظام السوري خرج أقوى، أقلّه في المدى المنظور وبات قادراً على التعاطي مع العرب الآخرين ومع المجتمع الدولي من موقع مختلف كانت أفضل تعبير عنه اللهجة التي اعتمدها الأسد في خطابه الأخير. يضاف إلى ذلك طبعا أن إيران صارت قادرة عبر رئيسها أحمدي نجاد على التوجه إلى العالم بطريقة مختلفة بعدما أثبتت أنّها توجّه صواريخ "حزب الله" الذي وضعها على تماس مباشر مع إسرائيل.
نعم، حقّ الرئيس السوري اعتبار الانتصار انتصاره، ليس لأنّه استطاع أن يثبت قدرته على تدمير جزء من البلد وتهجير ربع سكّانه والانتقام من كلّ ما هو حضاري في لبنان بواسطة آلة الدمار الإسرائيلية فحسب، بل لأنّه عَرَفَ أيضاً كيف يستغلّ استثماره في "حزب الله" منذ فترة طويلة. أنّه يستغلّ في الواقع قراراً اتخذه منذ عودته إلى سوريا منتصف التسعينات من القرن الماضي لإعداد نفسه للرئاسة خلفاً لوالده بعد مقتل شقيقه الأكبر الرائد باسل الأسد في حادث سير مفجع. ويقول الذين يعرفون بشّار أنه أبلغ مسؤولاً عربياً كبيراً، حضر على عَجَل لعقد لقاء معه أثر أسر "حزب الله" الجنود الإسرائيليين الثلاثة في مزارع شبعا أواخر العام 2000، أنّه نجح إلى حد كبير في إقامة نوع من التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل بفعل الصواريخ التي أشرف شخصياً على إيصالها إلى "حزب الله". وقال ما معناه إنّه لم يمضِ وقته في التسلية منذ عاد إلى دمشق قاطعاً تدريبه في المجال الطبي في بريطانيا، بل كرّس الكثير من جهده ووقته لدعم "حزب الله" الذي صار في استطاعته تهديد إسرائيل بالصواريخ. واسترسل الرئيس السوري الذي لم يكن مضى وقت طويل على توليه الرئاسة خلفاً لوالده في شرح أهمية صواريخ "حزب الله" الموجودة في جنوب لبنان، وكيف أن هذه الصواريخ باتت تهدد قسماً كبيراً من الصناعات الإسرائيلية التي أنشئت في منطقة الجليل القريبة من الحدود مع لبنان باعتبارها منطقة هادئة بعيدة من الجبهات الأخرى التي كانت قابلة للاشتعال في الماضي. ولم يتردد بشّار في تأكيد أن الإسرائيليين لن يفعلوا شيئاً ردّاً على خطف الجنود الثلاثة لكونهم يدركون جيّداً أن "حزب الله" يمتلك القدرة على الرد بالصواريخ التي يمتلكها والتي مارس هو شخصياً دوراً أساسياً في إيصالها إليه وفي دعم هذه الاستراتيجية وتطويرها.
في الإمكان أعطاء مزيد من التفاصيل عن هذا اللقاء الذي تباهى فيه الرئيس السوري بأنّه وجد الحل العملي لإيجاد توازن مع إسرائيل وعن رد المسؤول العربي الكبيرالذي دعاه إلى التوقف عن اعتماد مثل هذا التفكير التبسيطي الذي لا فائدة منه. وقد تبيّن نتيجة الحرب الأخيرة التي تعرّض لها لبنان أن إسرائيل لم تردّ في أواخر العام 2000 على خطف االجنود الثلاثة لأسباب مرتبطة بوضعها الداخلي، إذ كان أيهود باراك رئيس الوزراء إذذاك منهمكاً في معالجة ذيول إخفاق قمة كامب ديفيد مع ياسر عرفات، رحمه الله، ومع الرئيس بيل كلينتون وقد فضّل توجيه تهديدات إلى سوريا من دون ترجمة ذلك إلى عمل عسكري محدد مكتفياً بالحصول على تطمينات بأنّ الجنود الأسرى أحياء. وتبيّن لاحقاً أن الثلاثة قتلوا جراء المعركة التي رافقت خطفهم.
مرّة أخرى، إن بشّار الأسد شريك فعلي في الانتصار الذي تحقّق والذي يعتمد في الأساس على قدرة "حزب الله" على استخدام الصواريخ التي في حوزته والتي عمل لإيصالها إليه من إيران وغير إيران. ثمة شيء واحد يبدو أن الرئيس السوري لم يدركْه هو أنّ الانتصار الذي يتحدّث عنه ليس سوى انتصار على لبنان. صحيح أنّ إسرائيل تكبّدت خسائر كبيرة وأن جيشها واجه مقاومة شرسة، لكنّ الصحيح أيضاً أن الانتصار على لبنان ليس بديلاً من الانتصار على إسرائيل. يستطيع الأسد التباهي بأنّ الاستراتيجية التي كان وراءها سمحت للسيّد حسن نصرالله بالحديث عن انتصار "استراتيجي وتاريخي". إنّه بالفعل كذلك لولا أن لهذا الانتصار أفقاً سياسياً غير أفق استخدام لبنان "ساحة" للمحور السوري ـ الإيراني الذي لا يتطلع سوى إلى تحسين شروط التفاوض مع إسرائيل أو مع الغرب على رأسه الولايات المتحدة... حتى لو كان ذلك على أشلاء لبنان!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.