8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

من أجل وقف المتاجرة بلبنان وفلسطين

على العكس مما كان متوقّعاً، لم يؤد أسر "حزب الله" جنديين أسرائيليين الى تخفيف الضغط الأسرائيلي على قطاع غزّة. استغلّت الحكومة الأسرائيلية التركيز الدولي على لبنان الذي يتعرض لعدوان اسرائيلي مكشوف، من أجل متابعة الحملة التي تشنّها على القطاع منذ الخامس والعشرين من الشهر الماضي عندما أسر مقاتلون من "حماس" جنديّاً اسرائيلياً.
ما يشهده لبنان من أحداث خطيرة سمّيت عن حق حرباً اسرائيلية عليه، يطرح سؤالاً في غاية الخطورة هو هل من ضوابط لما تقوم به اسرائيل؟ الجواب، أقلّه الى الآن، أن لا وجود لضوابط. والدليل على ذلك أن القوّة العظمى الوحيدة في العالم، أي الولايات المتحدة، سارعت الى الإعلان عن تفهّمها للموقف الاسرائيلي وردها على أسر "حزب الله" للجنديين. هناك بكل بساطة حملة عسكرية تشنها اسرائيل على لبنان مظهرة أنها على استعداد تام للذهاب بعيداً في الانتقام من كلّ ما يمثّله البلد الصغير على صعيد أنّه يقدّم نموذجاً للعالم عن دولة ديموقراطية حديثة تشكّل اطاراً لعيش مشترك بين مواطنين من طوائف ومذاهب مختلفة، خصوصاً بين المسلمين والمسيحيين.
لا شك أن استمرار اسرائيل في حملتها العسكرية إن في غزة وإن في لبنان يهدّد الاستقرار الاقليمي. وما يمكن قوله في هذا المجال، ان ليس ما يمنع خلال الأيام والأسابيع المقبلة دخول الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التوتر قد تبلغ ذروتها بحصول مواجهة تتجاوز حدود لبنان والأراضي الفلسطينية. ما يهيء الأرض لمثل هذه المواجهة أنّ هناك تلميحات واضحة من غير جهة دولية الى أن قرار "حزب الله" بأسر الجنديين الاسرائيليين قرار اقليمي وليس قراراً أتّخذه الحزب وحده. هناك قرار اقليمي بفتح جبهة جديدة مع اسرائيل بغية التخفيف عن "حماس". المؤسف أن اسرائيل أدركت ذلك وارتكبت في الأيام القليلة مزيداً من الجرائم في غزة في ظلّ صمت، حتى لا نقول تفهم دولي يغطي ارهاب الدولة الذي تمارسه.
منذ الحظة الأولى لخطف الجندي في غزّة، تبيّن أن حكومة أيهود أولمرت غير مهتمة بحياة الأسير بمقدار ما أنّها مهتمة بتنفيذ خطة معيّنة تصب في زرع الفوضى والدمار في الأراضي الفلسطينية. لو كانت اسرائيل تريد بالفعل البحث عن مخرج، لكانت سارعت الى البحث مع الرئاسة الفلسطينية في ما يمكن عمله من أجل عدم اراقة مزيد من الدماء.
كذلك الأمر بالنسبة الى لبنان. تبيّن أن الحكومة الأسرائيلية غير مهتمة بالأسيرين لدى "حزب الله" بمقدار اهتمامها بتدمير البنية التحتية للبلد الصغير كي لا تقوم له قيامة. أن اسرائيل تعرف تماماً أن لبنان المزدهر المستقر المنفتح على العالم والديموقراطي يعتبر منافساً لها، خصوصاً أنّها دولة عنصرية تصرّ على تقديم نفسها بأنّها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
في حسابات الربح والخسارة، يخرج لبنان خاسراً من المواجهة الأخيرة التي جاءت في وقت كان يستعدّ فيه لتكريس عملية استعادة موقعه الاقليمي كمكان يقصده الأشقاء العرب في كلّ فصول السنة خصوصاً في الصيف. وما يبدو ضرورياً اليوم قبل الغد البدء في التفكير في اتبّاع سياسة الحدّ من الخسائر بغية المحافظة على ما بقي من بنية تحتية أقيمت في السنوات بين 1992 و1998، عندما كانت لدى الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعض القدرة على العمل بحرية وتنفيذ مشروعه، مشروع الانماء والاعمار الذي كان بين الأسباب التي أدت الى الحملة عليه وانتهت باغتياله. ما تفعله اسرائيل حالياً، في ضوء وجود من يوفر لها المبررات المطلوبة والتغطية الدولية التي تحتاجها، متابعة تدمير لبنان والقضاء على مشروع الانماء والاعمار. أن هذا المشروع هو الذي يمثّل المقاومة الحقيقية لاسرائيل لا أكثر ولا أقلّ. ولذلك نجد تلك الشراسة وذلك الأصرار على الانتهاء منه... من اسرائيل وغير اسرائيل.
لعلّ النتيجة الأولى التي يمكن الخروج بها بعد أحداث غزّة ولبنان، أن اسرائيل تعرف تماماً ما الذي تريده وهي تنفّذ خطة واضحة ان مع الفلسطينيين وانّ مع اللبنانيين. المخيف أنّ ليس في الجانب الآخر سوى من يساعدها في تنفيذ هذه الخطة... وكأن لبنان "الساحة" ورقة يمكن أن تؤثّر سلباً على اسرائيل في حين أنّه أفضل خدمة تقدّم لها، فيما الشعب الفلسطيني يستخدم وقوداً في معارك لا علاقة له بها.
لا تزال الحاجة اليوم قبل الغد الى موقف عربي يسمّي الأشياء بأسمائها. مثل هذا الموقف يمكن أن يساعد في تغيير الموقف العالمي من العدوان الاسرائيلي. كفى تعني كفى. فلسطين ليست ورقة في يد هذه الجهة الاقليمية أو تلك، ولبنان ليس "ساحة". هذا ما يفترض في العرب قوله في حال كانوا يريدون بالفعل قطع الطريق على الذين وضعوا أنفسهم في خدمة اسرائيل وعدوانها المكشوف عن طريق المتاجرة بلبنان وفلسطين.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00