ما يحصل في العراق الان أمر في غاية الخطورة لتزايد احتمالات تقسيم البلد بعدما تبين ان السلطة المركزية التي اسمها الحكومة العراقية غير قادرة على اتخاذ خطوات حاسمة على طريق فرض سيطرتها على البلد. انها غير قادرة على ذلك لأنها لا تمتلك الأدوات اللازمة لتحقيق هذا الغرض.
الواضح الان وفي ظل استمرار المواجهات مع ميليشيا السيد مقتدى الصدر ان ثمة ثلاث حالات عراقية. هناك اولا الوضع الكردي في الشمال حيث يسود هدوء نسبي. ومع كل يوم يمر، يتبين ان الأكراد يفضلون العيش في معزل عن المناطق العراقية الأخرى في ظل فيديرالية، يمكن ان تسمح لهم بإنشاء كِيان خاص بهم يجعل منهم حالة خاصة لا تنقصها سوى صيغة تتيح للأكراد الحصول على بعض عائدات النفط.
وهناك حالة ثانية هي الوضع في جنوب العراق حيث يبدو واضحاً ان الحرب الدائرة فيه خصوصاً في النجف هي حرب أميركية ايرانية. صحيح انه لا يمكن اتهام مقتدى الصدر بتلقي أوامر مباشرة من طهران، لكن الصحيح أيضاً انه مخترق ايرانياً وانه يعمل لإحباط المشروع الأميركي في العراق فيما تراهن طهران على إسقاط الرئيس بوش الابن في الانتخابات المقبلة عن طريق العراق. من يتذكر ان ايران كانت وراء منع تجديد الرئيس جيمي كارتر لولايته في العام 1980؟ وقتذاك كان كافياً ان تطلق ايران الرهائن الأميركية المحتجزة في السفارة الأميركية في طهران قبل موعد الانتخابات كي يفوز كارتر على رونالد ريغان. لكنها فضلت الانتظار الى ما بعد الانتخابات وهو انتظار أمّن فوز ريغان. بالطبع عقدت ايران صفقة سرية مع قريبين من ريغان قبل اتخاذ قرار عدم اطلاق الرهائن قبل موعد الانتخابات!
يبدو الآن ان ايران ستفعل كل ما تستطيع من أجل اسقاط بوش الابن لاعتبارات عدة في مقدمها ان ادارته اتخذت موقفاً عدائياً منها. وهذا الموقف العدائي يمكن أن تكون له ترجمة على الأرض تتمثل في الاقدام على عمل عسكري لمنع ايران من تطوير برنامجها النووي. وما يبرر المخاوف الايرانية ان الادارة الأميركية اتخذت حتى الآن سلسلة من التدابير استهدفت الوجود الايراني في العراق. وبين هذه التدابير رفع الغطاء عن السيد أحمد الجلبي. وكان الأخير الى ما قبل فترة قصيرة صلة الوصل بين طهران و"صقور" الادارة خصوصاً نائب وزير الدفاع بول ولفوويتز الذي انتقل الملف العراقي من وزارته الى مجلس الأمن القومي الذي صارت كل التقارير ترفع اليه قبل وصولها الى الرئيس بوش الابن.
كيف تنتهي المواجهة في جنوب العراق؟ يصعب التكهن بذلك، لكن الأكيد ان الأميركيين لن يسمحوا بانتصار ايراني في حين ان ايران التي لديها حدود طويلة مع العراق لا يمكن أن تتوقف عن خلق متاعب للأميركيين عبر ميليشيا مقتدى الصدر وغيره. اللهم الا اذا كانت هناك مفاوضات سرية أميركية ايرانية تستهدف التوصل الى تفاهم يؤدي الى العودة الى التنسيق على غرار ما حصل في الفترة التي سبقت العملية العسكرية الأميركية في العراق. ويظل التوصل الى مثل هذا التفاهم مستبعداً ما دامت الادارة الأميركية مصرّة على ان لدى ايران برنامجاً نووياً وأنها لا تستطيع لأسباب اسرائيلية أولاً السماح لها بامتلاك السلاح النووي.
وهناك حالة ثالثة في منطقة المثلث السني حيث يشعر السكان بالغبن والذل والتهميش نتيجة تصرفات الاحتلال الأميركي الذي ارتكب خطأ حل الجيش العراقي حارماً مئات آلاف العائلات من مدخول مضمون. لم يجد سكان المثلث السني سوى اللجوء الى التطرف الديني للتعبير عن رفضهم الاحتلال، وقد لجأوا الى الارهاب لإظهار مدى سُخطهم. هل هناك تفسير آخر لظاهرة التفجيرات وعمليات الخطف التي يساهم فيها متطرفون تسللوا الى العراق ووجدوا فيه ضالتهم بعدما اضطروا الى مغادرة افغانستان اثر سقوط نظام "طالبان"!
كل يغني على ليلاه في العراق. والصوت العاقل الان هو صوت المرجعية الشيعية التي رفضت توفير الغِطاء لمقتدى الصدر والتي لا تزال تأمل أن ينتهي القتال سريعا كي تعمل الحكومة للملمة الأوضاع.
لقد أقدم الدكتور اياد علاوي رئيس الوزراء العراقي على خطوة جريئة حين زار النجف، لكن المشكلة انه مع كل يوم يمر تزداد المخاطر على وحدة العراق، ذلك لانه يزداد تعلق الأكراد بالأجندة الخاصة بهم ويزداد التطرف في المثلث السني في ظل استمرار الحرب الايرانية الأميركية في الجنوب وفي مناطق أخرى مثل مدينة الصدر في بغداد.
العراق الى أين! اذا لم يحسم الأميركيون الحرب سريعاً يبدو واضحاً ان البلد يتجه الى التقسيم، خصوصاً ان ليس ما يثبت حتى الآن انهم قادرون على اعادة بناء الجيش العراقي سريعاً. لقد اتخذوا قراراً بإعادة إنشاء هذا الجيش مع الاستعانة بعناصر من الجيش السابق الذي كان بمثابة عقدة بالنسبة إليهم. لكن السؤال الذي لا مفر من طرحه: هل لا يزال هناك متسع من الوقت لإعادة تشكيل الجيش؟ انه الأمل الوحيد في تفادي التقسيم، وإلا فألف سلام وسلام على العراق الذي عَرَفناه.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.