كيف يستطيع العرب مساعدة لبنان فعلاً؟ قد يكون الجواب في أن عليهم قبل كلّ شيء دعم لبنان في مجلس الأمن ولدى كل الدول النافذة من أجل التوصل إلى اتفاق فوري لوقف النار يسمح بأستعادة لبنان كلّ أراضيه التي احتلّتها إسرائيل في عدوانها الأخير. وما قد يكون أهمّ من ذلك بالنسبة إلى لبنان، أن يعود النازحون إلى أرضهم في أسرع وقت ممكن من دون شروط تطرحها إسرائيل، ذلك أن لكلّ لبناني الحقّ في العودة إلى بيته في أيّ بقعة من لبنان أكان من "حزب الله" أو من غير "حزب الله". هذه النقطة أساسية بالنسبة إلى لبنان وإلى مستقبل البلد الذي بات على المحكّ منذ بدء العدوان الإسرائيلي الأخير الذي تسببت به الحسابات الخاطئة لـ"حزب الله" أو الذين يوجّهونه من خارج غير آبهين ما يحلّ بلبنان. ماذا يهم هؤلاء ما دام لبنان يذبح يومياً وما داموا على تفاهم ضمني مع إسرائيل على ضرورة حصر المعركة في "الساحة" اللبنانية. قد يستمر هذا التفاهم ولكن إلى متى؟
هناك مسؤوليات عربية كبيرة، في حال كان لبنان همّاً عربياً بالفعل. تشمل هذه المسؤوليات التعويض عن التقصير المستمر تجاه لبنان، وهو تقصير استغلّته إيران التي عرفت كيف تستثمر فيه منذ نحو خمس وعشرين سنة في كلّ المجالات. استثمرت إيران في لبنان طائفياً ومذهبياً وتربوياً واجتماعياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً من أجل الوصول إلى ما وصلت إليه حالياً، أي أن تكون على تماس مع إسرائيل عبر الجبهة اللبنانية، الجبهة العربية الوحيدة المفتوحة مع العدو الإسرائيلي.
كان الاستثمار الإيراني في لبنان مربحاً إلى درجة صار في استطاعة النظام الإيراني خوض حرب مع اسرائيل بمشاركة سورية حتى آخر نقطة دم لبنانية وحتى آخر حجر من البنية التحتية اللبنانية وحتى آخر عمود في منزل يقع في أفقر قرية لبنانية أكانت في أقصى الشمال أو في أقصى الجنوب. حصل ذلك فيما العرب يتفرّجون وكأنّهم غير معنيين بما يشهده لبنان من اختراق إيراني بدأ بالنجاح في أخذ طائفة بكاملها رهينة وانتهى بأخذ البلد كلّه رهينة. أُخذ لبنان إلى حرب غير مهيّأ لها، إذ لا يدري أيّ مسؤول لماذا افتعل "حزب الله" الحرب في هذه الظروف بالذات وفي هذا التوقيت المريب، هذا الحزب الذي لم يجد ما يقوله في نهاية المطاف سوى أن إسرائيل كانت ستعتدي على لبنان، أسر الجنديين من خلف "الخط الأزرق" أم لم يأسرهما. قد يكون هذا الكلام صحيحاً أو قد لا يكون كذلك، ولكن كيف يمكن لحزب الاستيلاء على قرار السلم والحرب في بلد ما وتهديد الاستقرار الإقليمي من دون أن يقيم أيّ حسابات للعمل العسكري الذي سيقدم عليه وللنتائج التي يمكن أن تترتب عليه؟ إنّها نتائج تتعلق في نهاية المطاف بمصير البلد برمته وليس بمصير حزب أو طائفة من طوائفه.
نعم يستطيع العرب مساعدة لبنان. المساعدات المالية مفيدة، لكنّها لا تعني شيئاً في حال لم تُتّخذ إجراءات من نوع آخر تتجاوز ردود الفعل على عمل ما يقدم عليه "حزب الله" الذي عرف كيف يملأ الفراغ الذي خلّفه الانسحاب العسكري السوري في لبنان بطريقة أدّت إلى أن يكون الانسحاب في مصلحة النظام الإيراني بدل أن يصبّ في مصلحة لبنان واللبنانيين. وبكلام أوضح، ثمّة حاجة إلى مقاربة عربية شاملة للوضع اللبناني تؤدي إلى احتضان البلد الصغير انطلاقاً من دعم قرار لمجلس الأمن يؤدي إلى زوال الاحتلال الإسرائيلي في أسرع ما يمكن وعودة النازحين إلى قراهم ومدنهم بما في ذلك إلى مدينة مثل بنت جبيل أزالتها إسرائيل من الوجود. وفي مرحلة لاحقة، على العرب الذهاب إلى أبعد، أي إلى مواجهة المشروع الإيراني الذي صار النظام السوري جزءاً لا يتجزّأ منه بعدما استسلم للقرار المتخذ في طهران.
ليس مطلوباً عربياً الدخول في مواجهة من أيّ نوع مع إيران، بل المطلوب اليوم قبل الغد الاستثمار في لبنان. ومثل هذا الاستثمار لا يكون بشراء شقق أو أراض في لبنان وإنّما بدعم التوجه الهادف إلى ترسيخ التوجه العربي الحقيقي لدى اللبنانيين بعيداً عن المزايدات الرخيصة أكان مصدرها دمشق أو طهران. وفي حال كان بين العرب من يعترض على هذا الكلام، في الإمكان إحالته على المواقف التي خرج بها وزير الخارجيّة الإيراني منوشهر متّكي في بيروت قبل أيّام حين اعترض على النقاط السبع التي التزمها الرئيس فؤاد السنيورة والتي وافق عليها مجلس الوزراء اللبناني بالاجماع. لم يكد الوزير الإيراني يعترض على النقاط السبع، حتى اعتمد "حزب الله" والأدوات السورية المعروفة بدءاً برئيس الجمهورية وانتهاء بآخر يتامى النظام الأمني السوري ـ اللبناني موقفاً يتحفّظ عن النقاط السبع.
يستطيع العرب مساعدة لبنان فعلاً من زاوية أن ما على المحك مستقبل البلد الذي تستهدفه إسرائيل بقنابلها يومياً فيما الجار السوري يشمت وفيما إيران تؤكد أنها صارت لاعباً إقليمياً لا يمكن إلا الاعتراف به وأنّها الآمر الناهي في لبنان. في حال فشلوا في ذلك ستصح العبارة التي وردت في خطاب الرئيس السنيورة نقلاً عن الإمام عليّ كرّم الله وجهه:" أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض". اليوم دور لبنان، غداً دور من؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.