لا يزال وضع العرب في الولايات المتحدة موضع بحث بنتيجة أحداث 11 أيلول، فالأمور تحسنت لكن الصعوبات لم تبدّد نهائياً.
غير أن المستجدات ولدت اهتمامات جديدة للبنانيين وسائر العرب بالطرق الضرورية لدرء المخاطر وابعاد الشكوك واظهار الحقيقة.
ما هو الواقع، وكيف تتمسك الجاليات العربية بثقافتها ونزوعها نحو السلام؟
المصادر العربية في الولايات المتحدة التي تهتم بشؤون الجالية العربية، تؤكد ان هذه الجالية باتت توجه اهتماماتها الى الحضور والدور السياسيين حيث هي، ولم تعد تقتصر اهتماماتها على الانتاج الاقتصادي والبحث عن سبل الاستمرارية في الحياة والمعيشة فقط. وهذا التوجه، ناجم عن شعور بأن تحسين أوضاعها وكفايتها المادية لم يعد يكفي، وان لديها قناعة تولدت عبر التطورات السياسية او بعض المعاناة في الوصول الى الحقوق، بأن النشاط السياسي امر لا بد منه، وأن اللوبيات القديمة العهد في الدولة العظمى سبقتها بأشواط في هذا المجال. لذلك باتت الفاعلية السياسية مسألة مطلوبة والعمل لتحسينها وجعلها مؤثرة هو الهم الأساسي للجاليات العربية هناك. وفي اعتقاد المصادر العربية انه ليس مطلوباً استعمال المواطنية في القضايا الاقتصادية، بل يفترض الاستفادة منها في كل القضايا لا سيما في السياسة وهذا حق للجاليات، وعبره تستطيع اسماع صوتها اكثر، ورفع مستوى وظروف فاعليتها، لتكن يقظة في العمل السياسي واداء الجاليات خصوصاً بعد الذي واجهته من صعوبات. في اعقاب احداث 11 أيلول 2001، وان كانت هذه الصعوبات متفاوتة بين منطقة وأخرى في أميركا.
وتحاول الجاليات العربية تشكيل "لوبيات" لإسماع صوتها، فوجدت في الآونة الأخيرة انه يمكنها التكاتف مع الأقليات المتنوعة الموجودة في اميركا، بحيث يؤدي ذلك الى قيام قوة فاعلة. وقد خطت الجالية العربية الى الأمام في هذا الاتجاه على الرغم من أن السلطات الأميركية لم تستسغ هذا الأمر، وقالت للعرب انكم من البيض ويجب ألا تجمعكم تحالفات مع السود خصوصاً وانكم تحصلون على كامل حقوقكم، لكن العرب لا يزالون يعتبرون ان الحقوق التي يحصلون عليها ليست كما يرغبون..
تقدّر الجالية العربية في الولايات المتحدة بـ3.5 ملايين نسمة، وهي جالية نشيطة وتحتل مراكز مرموقة كما تملك العديد من الشركات والعقارات. وتتركز غالبية الجالية في لوس انجلس حيث يوجد نصف مليون عربي، ثم ديترويت حيث اكثر من 300 ألف عربي، ثم تكساس، وشمال كاليفورنيا خصوصاً سان فرانسيسكو حيث يقطن فيها نحو 120 ألف عربي.
ومن خلال مشاركة "المستقبل" في البرنامج الذي اعده "مركز الصحافة الخارجية" في وزارة الخارجية الأميركية تحت عنوان "تعزيز دور المواطن وتكنولوجيا المعلومات: المشاركة الجماهيرية النشطة عن طريق الانترنت"، أمكن استطلاع أوضاع الجاليات العربية في الولايات المتحدة.
"التاسك فورس"
فبالنسبة الى الجالية اللبنانية هناك، يقول، الرئيس السابق لـ"التاسك فورس فور ليبانون"، نجاد فارس، ان "أهمية الجالية اللبنانية ودورها تتجلى في الانتخابات حيث، القدرة على تجميع الأصوات للانتخابات أو الطلب من المسؤولين الأميركيين الاهتمام بالقضايا اللبنانية، لكن ليس بطريقة سيئة. والجالية تؤمن بأن لبنان يجب ان يكون صديقاً للولايات المتحدة، وأنا أشدد على أنه وحتى خلال اتصالاتنا مع عدد من النواب الذين كانت لديهم اتصالات مع النائب الأميركي لانتوس الذي عمل على وقف مبلغ 10 ملايين دولار كانت مخصصة للبنان كمساعدات للعام الماضي، توصلنا الى ان هذا المبلغ سيفرج عنه وسيسلّم الى لبنان". وذكر فارس أن "لانتوس كان وضع شروطاً غير طبيعية قد يكون هدفها الضغط على لبنان"، وأشار الى أن "النواب الذين تدخلوا لمصلحتنا أبلغوا الكونغرس أن حجز المبلغ غير قانوني، ويجب ان يتم تسليمه الى لبنان لأنه مقرر له. وقد ابدينا لهم كم ان هذه المساعدات تساهم في تحسين العلاقات اللبنانية ـ الأميركية، وهذا أمر ينعكس أيضاً على صورة أميركا، وهو موضوع لا دخل للسياسة به أصلاً، واذا تمت مساعدة الناس فهذا امر جيد يحسن في بعض مجالات الحياة".
وقال: اعتقد ان التعامل الاقتصادي هو امر اساسي بين العرب والولايات المتحدة وهذا يقوم وينمو من دون حروب او مشاكل".
وأكد ان "تطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، يزيد من فرص ازالة سوء الفهم الحاصل في مرحلة ما بعد احداث 11 ايلول، التي اثرت جدا على الولايات المتحدة وليس فقط على العرب في اميركا، او على الاسلام فيها. لكني اقول ان اميركا تغيرت بعد هذا التاريخ ولم تصبح متشددة حيالنا فقط، بل حيال الجنسيات كافة التي تخضع للاجراءات الامنية اثناء دخولها الى الولايات المتحدة لذلك لا اقول ان الصعوبات في اميركا تواجه العرب وحدهم بل كل اميركي وكل شخص يقطن هنا، وكل من يزور هذا البلد سواء كان آتيا من اوروبا او من لبنان، فالشعور بالخوف بعد تلك الاحداث اثر على المواطنين الاميركيين اكثر مما نتصور، وهذا يستلزم وقتا من اجل اعادة الوضع الى مجاريه، واظن ان ذلك يحتاج ليس الى اشهر بل الى سنوات".
وأوضح، انه ثمة "العديد من المؤسسات اللبنانية الاصل في اميركا اضافة الى "التاسك فورس" نستطيع كلنا ان نفيد العلاقات مع اللبنانيين من جانب الرسميين في اميركا. نحن مخلصون للبنان، لدى السياسيين الاميركيين ثقة برأينا لاننا لا نغشهم، حتى في الامور التي لا تناسب مصالحنا نقول امامهم الحقيقة، وهذا يضفي على علاقتنا الصدقية رغم التفاوت في وجهات النظر حيالها".
واذ يسأل "كم نؤثر؟" يجيب "لا استطيع القول اننا نجد النجاح الهائل، لكننا نحقق نجاحات واحداها ما سبق ان ذكرته حول الافراج عن المساعدات الاميركية المتبقية للبنان عن العام الماضي".
المركز الثقافي العربي في كاليفورنيا
اما رئيس المركز الثقافي العربي في كاليفورنيا الدكتور جمال الدجاني فيقول ان الجالية العربية في الولايات المتحدة من اصول متعددة من اللبناني الى الفلسطيني، واليمني، والسوري والعراقي، والمغاربي، ويضيف ان "المركز يقوم بدور داعم لقضايا الجالية وان المحاضرات التي يتولى المركز اعدادها تركز على حماية المسلمين من التمييز الذي يعانون منه بعد احداث 11 ايلول.
ذلك ان جميع العرب مسلمون، ولا يعرفون ايضا ان هناك مسيحيين في الدول العربية، ويتطرق المركز الى حضارة الاسلام وثقافته ودوره الانساني كأسلوب في المقاربة سعيا الى تصحيح الصورة، انطلاقا من خلفية العرب، ومساهماتهم عبر التاريخ والحضارة العربية". ويضيف ان "عدم التركيز على الدين المسيحي، يعود الى ان تعاليم هذا الدين موجودة اساسا في المدارس والجامعات، كما تعاليم اليهودية، ويضاف الى ذلك ان "الهدف هو ازالة سوء فهم الاسلام نتيجة الاحداث والظروف التي اثرت في ذلك، لا سيما حرب العراق، وفلسطين، وافغانستان، كما ان المركز يعمل على مساعدة المهاجرين الجدد من الدول العربية مع العلم ان الهجرة من هذه الدول الى الولايات المتحدة بدأت في 1890 خصوصا من لبنان".
ويشير دجاني، الى ان "دورنا هنا، ليس فقط الحفاظ على التراث العربي فحسب، بل جعل الاميركيين يدركون حقيقة العرب، بعد الاجحاف الذي حصل في فهم ثقافتنا وحضارتنا ايضا.
ويلاحظ ان "اليابانيين والصينيين في الولايات المتحدة يتفاعلون مع الجالية العربية"، في حين لفت الى "حصول تبدل في السياسة التعليمية ونظام البعثات من الخليج العربي الى اميركا الامر الذي ادى الى خفض عدد الوافدين الخليجيين الى الولايات المتحدة عما كان الوضع في بداية السبعينيات".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.